حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

 

Start of Body

هل أخذ النبي محمد من الشعر الجاهلي ووضعه في القرآن؟

إذا لم تدون الامة تراثها في الكتب فإن ما تتناقله الالسن لا يمكن الوثوق به.. وكما هو معلوم عن المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألفوا مئات الالاف من الاحاديث ونسبوها اليه، فهل نستبعد عليهم أن يألفوا أشعارا وينسبوها لشعراءهم الجاهليين؟ ربما لا توجد أمة على وجه الارض تداولت الكذب والتلفيق كالامة الاسلامية بعد وفاة رسول الله، ولم يتوقف هذا الكذب إلا بعد أن بدأ التدوين في العصر العباسي. الكتابة هي الرادع الحقيقي الوحيد الذي يوقف الدجالين عند حدودهم.

أصدر طه حسين كتابا بعنوان (في الشعر الجاهلي) سنة 1926 م. ثم اصدر كتاب (في الادب الجاهلي)، وهو نسخة منقحة من كتاب (في الشعر الجاهلي). انتقد في كتابه ما يسمى بالشعر الجاهلي وقال ان غالبيته المطلقة شعر منحول.. النهج الذي اتبعه طه حسين مبني على لغة الشعر وثقافة المجتمع الجاهلي ومعتقداته.

قارن طه حسين لغة الشعر الجاهلي بما يُسمى القرات السبع او العشر، وقال ان هذه القراءات ليست سوى ألسنة العرب في ذلك الوقت، وليست وحيا كما يزعم اصحاب الرواية. كلامه هذا معقول جدا ويؤيده القران "وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه". فإذا كان الشعر الجاهلي يعود فعلا الى أولئك الذين يُنسب الشعر اليهم، كـ عنترة بن شداد أو امرؤ القيس أو غيره، فلابد ان نجد في مفرداتهم ما نجده في القراءات، ولكن الموجود في الشعر يتفق مع قراءة المسلمين المشهورة، قراءة حفص عن عاصم، وهي لهجة قريش، لذا فإنه محال ان تلك الاشعار قد قيلت قبل وجود هذه القراءة، بما يعني ان الشعر قد قيل في وقت كانت لغة قريش هي اللغة السائدة، ولم يحدث ذلك الا بعد الاسلام.

العنصر الثاني الذي اخذه طه حسين بعين الاعتبار هو الجانب الثقافي والعقائدي، وبمقارنة الشعر الجاهلي مع ما ذكره القران عن المجتمع الجاهلي، رأى ان القران يتحدث عن وثنية وعبادة اصنام، بينما ما يُسمى الشعر الجاهلي لا يتطرق الى الوثنية على الاطلاق، وان دل ذلك على شيئ فإنما يدل على ان الشعر الجاهلي قد قيل عندما ساد التوحيد في الجزيرة العربية.

الفقرة التالية من الموسوعة الحرة ويكيبيديا حول كتاب (في الشعر الجاهلي)، يقول كاتب الموضوع: "لكنني -والكلام هنا لطه حسين- شككت في قيمة الأدب الجاهلى، وألححت في الشك. وانتهيت إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً، ليست من الجاهلية في شيء، إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام. فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. وما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداً، لا يمثل شيئا، ولا يدل على شيء، ولا ينبغى الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلى." -- ويقول في فقرة أخرى: "أما طه حسين فهو يرتاب في شعر أمية بن أبي الصلت، ويقول أنه حتى إذا جاء في شعر أمية أخبارٌ وردت في القرآن، كأخبار ثمود وصالح والناقة والصيحة، فمن الذي زعم أن ما جاء بالقرآن الكريم من أخبار كان مجهولاً قبل أن يجئ به القرآن؟ ومن الذي يستطيع أن ينكر أن كثيراً من القصص القرآني كان معروفاً بعضه عند اليهود، وبعضه عند النصارى، وبعضه عند العرب أنفسهم. أما شعر أمية بن أبي الصلت إنما نحل نحلاً. نحله المسلمون ليثبتوا أن للإسلام قدمه وسابقه في البلاد العربية. ومن هنا لا نستطيع أن نقبل ما يضاف إلى هؤلاء الشعراء والمتحنفين إلا مع شيء من الاحتياط والشك غير قليل."
https://ar.wikipedia.org/wiki/...

التالي شعر منسوب للمتحف زيد بن عمرو بن نفيل:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت  له الارض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت على الماء أرسى عليها الجبالا

بالنظر الى الشعر اعلاه نرى فيه ألفاظ قرآنية، هذه الابيات تماثل مفردات القرآن في سورة النازعات: "والارض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها" -- المفردات بحد ذاتها لا تكفي لتمييز نص عن غيره، ولكن المعنى أيضا يجب ان يتفق. واذا ما قارنا المعنى نجد التالي: يقول بيت الشعر "دحاها فلما رآها استوت على الماء.." أي ان الارض استوت على الماء فأصبحت تعوم مثل السفينه، وفي القرآن: "والارض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها" وهنا في القرآن الارض لا تعوم على الماء، وإنما أخرج منها ماءها ومرعاها.. فإذا كان النبي محمد سمع هذه الابيات قبل القرآن، فيجب القول انه لم يستسغ ان تكون الارض عائمة على الماء مثل السفينة، فقام وصحح الشعر وجعل الماء يخرج منها، مع ان النظرة السطحية لا تعارض استواءها على الماء، وذلك عندما تنظر الى البحر تراه كمية هائلة من الماء، فيجعلك تتخيل ان اليابسة تعوم على البحر!

وكما قال طه حسين، لم يزعم أحد أن ما جاء بالقرآن كان مجهولاً تماما في الجاهلية، ولكن أن يقال ان القرآن تضمن مفردات من شعر أمية بن أبي الصلت أو زيد بن نفيل أو غيره فهذا افتراء، بل ان الاشعار المنسوبة للجاهلية هي التي اخذت من مفردات القرآن، ومارأيناه من اختلاف المعنى في المثال اعلاه دليل حاسم على ذلك، ويبدو ان هدف الذي نحل تلك الابيات من الشعر كان ضبط القافية فقط، ومن غير مراعاة للمعنى.

ليست بالمسألة الصعبة ان تأخذ مفردات من القرآن وتضعها في بيت شعر، فمثلا كتب ابن خلدون عن شاعر تونسي عاش في عصره، جاء في شعره: "والله من وفق ذا وهذا، يقضي لعبديه ما يشاءُ \\ يا راصد الخُنّس الجواري ، ما فعلت هذه السماءُ" (مقدمة ابن خلدون، ج 2، ص 330). وهنا الشاعر اقتبس من سورة التكوير "لا أقسم بالخُنس الجواري الكُنس". هذا الشاعر لم ينسب شعره للجاهليه، ولكن قبل التدوين كانت الساحة مفتوحة لكل من هب ودب، وما على الواحد منهم إلا ان يؤلف كم بيت شعر، يستخدم فيها مفردات من القرآن، ثم يقول حدثنا وأخبرنا، وكله كذب وتلفيق.

اقتباس: "وقال الامام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول وهي: المغازي، والتفسير، والملاحم... قلت: ينبغي أن يُضاف إليها: الفضائل، فهذه أودية الاحاديث الضعيفة والموضوعة، إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير مثل مُقاتل والكلبي، وفي المَلاحم على الإسرائيليات." (ابن حجر، لسان الميزان، ج 1، ص 207)

المغازي هي غزوات الرسول، والتفسير هو تفسير القران، والملاحم هي الفتن والحروب المستقبلية وعلامات الساعة.. ثم يضيف لها ابن حجرا كتابا آخر، كتاب الفضائل، وهي الاشياء الحميدة التي تُنسب للصحابة، كأن يقول الحديث ان الاية كذا نزلت على لسان عمر أو أبوبكر مثلا، أو تصنيف اشخاص في خانة الانبياء أو من أهل الجنة.. كل ما ورد في هذه الكتب ليس لها اصل، حتى وان صحت سندا.. الشعر الجاهلي الذي يُنسب للمتحنفين يندرج في خانة الفضائل، وكما لفقوا الاحاديث، قاموا بتلفيق الشعر ايضا، نسبه اليهم أناسٌ من قبائلهم، ليثبتوا ان الله اجرى القران على السنتهم قبل نزول القران على محمد، ولو كان فعلا لديهم هذا الشعر قبل الاسلام، لما تحداهم القران أن بآية من مثله. تخيل ان يأتي من يتحداك ان تكتب مقالا كمقاله في حين ان ما كتبه في مقاله قد اقتبسه من كتاب! لن يفعل هذا حتى من فقد عقله، وان قام بفعله فقد وضع نفسه في منزلة من السخرية لا يحسده عليها احد.. اتهمه كفار قريش بالجنون، واتهموه بالسحر، واتهموه انه يُعلمه اعجمي، ولكن لم يقولوا انه يأخذ من اشعار أمية بن ابي الصلت أو عمرو بن نفيل أو غيره من المتحنفين، وإلا لذكر القران التهمة كما ذكر التهم الاخرى، والتفسير هو ان تلك الاشعار لم تكن موجودة في العصر الذي كان فيه القران ينزل على النبي محمد.

End of Body

 



الصفحة الرئيسية شبهات وتساؤلات