حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

أين وجد ذو القرنين  العين الحمئة  التي تغرب فيها الشمس،
والعين الاخرى التي تطلع منها الشمس،
وأين هم الآن يأجوج ومأجوج؟

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 20 فبراير 2014 (آخر تحديث: 18 نوفمبر 2019)

نسخة ارشيف: https://archive.org/...

بوست المقال على فيسبوك لمن اراد التعليق

Script:PrintURL

 

 

ملخـــــــــــص

بالنظر الى التعليقات على صفحة الفيسبوك يبدو ان البعض لم يعجبهم ان يكون الاسكندر المقدوني هو ذو القرنين.. أولا القرآن لم يقل ان ذو القرنين هو الاسكندر أو غيره، وإنما ذكر بعض صفاته واحداث في حياته، فإذا لم نجد هذه الاحداث تنطبق على أي شخص آخر غير الاسكندر، فيجب أن يكون هو ذو القرنين، وبغض النظر عن الاشاعات التي قيلت فيه. اذا تحدث القرآن عنه على انه شخص جيد، فهو كذلك، ولابد للشائعات ان تكون محض كذب وافتراء. الرجل لم يُكتب تاريخه إلا بعد اربعة قرون من موته، فكم يا ترى ستكون نسبة الصحة في تاريخ كهذا؟

القرآن كتاب ديني، وليس كتاب تاريخ او غيره من العلوم، فإذا وردت فيه قصة تاريخية أو وصف لظاهرة طبيعية، فلابد ان يكون الهدف الديني هو الاساس، وما الوصف أو الاثر التاريخي إلا معالم يمكن أن نأخذ بها للاستدلال على الهدف الديني، لنستنتج من ذلك ان ما اخبر به القران صحيح، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وبالرغم من ان القران على ظاهره وبلسان عربي مبين، الا ان آياته في الكثير من الاحيان تحمل اكثر من معنى، ولمعرفة المعنى المقصود بالضبط فلابد من البحث وتقصي الحقيقة.

"حتّى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة" -- ماذا وجد؟ وجد الشمس.. ولكن النص لايقول انه وجد الشمس، حرف الهاء في كلمة وجدها عائد لمصطلح محذوف لم يرد ذكره في الاية! ولو قلتُ لك مثلا، ذهبت الى شاطئ البحر فوجدتها تقف على الرصيف.. فهل عرفتَ من كلامي هذا ماذا وجدت؟ سيارة، فتاة، أو بهيمة مثلا؟

الالفاظ غير متناهية الدلالات، وما يميز لفظ عن مثله هو الوصف والسياق، وليس اللفظ بحد ذاته.

لذا يجب معرفة ذو القرنين اولا، لنرى اين ذهب وماذا وجد.

كفار قريش لم يسألوا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عن شخص مجهول أو كائن خرافي، وإنما عن قائد تاريخي معروف مكّن الله له في الارض. فإذا كان السائلون يعرفون هوية هذا القائد، فلابد ان يكون له وجود في التاريخ. وإذا ما جمعنا كل الشخصيات التاريخية المعروفه، ونظرنا الى صفاتهم، مع اخذ القرون بعين الاعتبار، ثم تبعنا خطاهم واحد واحد. فمن هو القائد الذي سيوصلنا الى المواقع التي ذكرها القرآن، بنفس المواصفات بالضبط ، بالحرف الواحد: مغرب الشمس، والعين الحمئه، ومطلع الشمس، وأيضا صناعة حاجز من صدفين (جانبين) بين سدين، ليغلق به ممر كان يخرج منه قوم يأجوج ومأجوج، كما ذكر القرآن: "حتى اذا ساوى بينالصدفين" -- هذا الحاجز كان من صدفين فقط ، بوابه، وليس سدا عظيما كما يشاع!

من دراستنا لسيرة الاسكندر، تبين ان الرجل كان يُقيّم الاديان ويقارنها ليرى ما يصح منها (التفاصيل في صلب الموضوع)، الوسيلة التي اتبعها لتحقيق هذا الهدف هي زيارة المواقع الدينية في كل بلد يدخلها.

"وآتيناه من كل شيئ سببا، فأتبع سببا" -- السبب هو الوسيلة، ويقال: تعددت الاسباب والموت واحد، أي تعددت الوسائل، وسائل الموت.

دخل مصر من تل الفرامة دون قتال، وتوقف في مدينة كان يسميها الاغريق هليوبولس، ومعناها مدينة الشمس، وكانت فيها عين ماء مقدسة، موحلة، تسمى «عين الشمس»، وهي الظاهرة في الصورة، والشمس تدخل فيها من بين زهور اللوتس، ويقف بجوارها رجل يحمل في يديه رمز القربان.

ولكن هذه الشمس ليست حقيقية، وإنما روح الشمس.

كان قدماء المصريين يعتقدون ان الشمس تموت في آخر اليوم، فتنفصل الروح عن القرص. تأتي الروح الى عين الشمس، أمّا القرص فتبتلعه آلهة السماء.

وبعد ان يدخل الاله في عين الشمس، يخرج من باب في داخلها، ثم ينطلق في زورق العالم السفلي، هو واتباعه الذين ماتوا في ذلك اليوم، في رحلة ليلية مليئة بالمخاطر الى موقع آخر يخرج منه في الصباح.. هذا الموقع هو مطلع الشمس، ومكانه في معبد أمون في واحة سيوه.

كان القوم يعبدون الشمس، ويسمونها بلغتهم "رع"، مصطلح رع يعني الشمس، وبغض النظر سواءا كان الحديث عن الروح أو عن قرص الشمس، مثل الانسان لا فرق بين روحه وجسده. وهو مذكر وليس مؤنث.

الصورة على اليمين تمثال الملك (توت عنخ أمون)، وهي تماثل الصورة المجاورة للرجل الذي في زهرة لوتس وهي تغطس في عين حمئه.

روح الاله لا تدخل في العين مباشرة، وانما بواسطة زهرة اللوتس الازرق.. هذه الزهرة تغطس في الماء مع غروب الشمس، وتطلع منه في صباح اليوم التالي.. زهور اللوتس بكل انواعها لا تعيش الا في الوحل والمستنقعات المائية الموحلة.

ليس فقط رع هو الذي يدخل في زهرة، وإنما أيضا ارواح الموتى الذين ماتوا في ذلك اليوم. وكل ميت يدخل في زهرة مستقلة. وجميعهم في نفس العين الحمئه، عين الشمس.

كانوا يصفون دخول الاله رع (الشمس) في العين الحمئة بالغروب، وكانت تلك العين في مقاطعة من هليوبولس تُسمى ارض الحياة، ونجد في البرديات: "تحية لغروبك في ارض الحياة يا أب الالهة" ، لاحظ قوله غروبك، وليس دخولك، والاله هو الشمس، وعلى هذا يمكن ان يوصف المكان الذي يغرب فيه بمغرب الشمس.. وعند خروجه من الزهرة في الموقع الذي يطلع فيه، يقولون يخرج (يطلع)، وليس يشرق، وفي القرآن: مطلع الشمس، المكان الذي تطلع فيه الشمس، رع.

لم يقل القرآن ان ذو القرنين ذهب غربا حتى بلغ مغرب الشمس، ثم توجه شرقا حتى بلغ مشرق الشمس. المصطلحات التي استخدمها القرآن تدل على مواقع: «مغرب الشمس»، و «مطلع الشمس»، والمسألة لا دخل لها بشرق وغرب.

ورأينا فيما سبق ان حرف الهاء في كلمة وجدها يعود الى مصطلح "محذوف" لم تذكره الايه. "وجدها" «لا تساوي» "وجد الشمس". هذا المحذوف هو زهرة اللوتس التي يدخل فيها الاله الشمس، في موقع مغرب الشمس.

"حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها [وجد الزهرة] تغرب في عين حمئه" -- الزهرة هي الشيئ المشاهد، والمحذوف من الايه، الذي وجده ذو القرنين يغرب في عين حمئه.

زهور اللوتس: الزهرة فقط هي التي تغطس في الماء أما الورق فيبقى يطفو على السطح. الوحل يترسب في القاع. جذور الزهرة هي التي تحتاج الى وجود الوحل.

وكما هو معلوم ان كلمة "تغرب" تعني تغيب او تختفي. وعلى نفس الوزن جاءت العبارة «اغرب عن وجهي»، أي اختفي.

أمّا "السبب" في صياغة الايات بهذه الطريقة التي تبدو وكأنها لغز، فهذه علمها عند الله. وبكل تأكيد يوجد سبب ومغزى ولكننا لا نعلم.

وفيما يخص الزهرة، فإن الاشياء برمزيتها، وقدسيتها، وقيمتها المعنوية لدى القوم الذين عبدوها من دون الله.. ولنفترض مثلا ان الديانة المسيحية انقرضت، فهل ستستغرب حينها من قوم كانوا يقدسون خشبة؟ الديانة كلها قائمة على هذه الخشبة.. الديانة المصرية كانت قائمة على زهرة، فتراها الان في المعابد والمقابر وفي كل شيئ له علاقة بتلك الديانة.

الان من يبحث عن الحقيقه، ويُقيّم الديانات، وله عقل يفكر به، مثل الاسكندر، لن يتقبل إله يدخل في زهرة ويغطس في الوحل، حتى وإن خرّت له الملوك ساجدين، وأنشأوا له أعظم حضارة قديمة في تاريخ البشريه. هذه هي الحكمة التي نراها من الايات. فالقضية إذن ليست مجرد زهرة وتغطس في الوحل، وإنما قدسية الزهرة. هم لا يرون الاله، وإنما يرون الزهرة. ولإنهم يعتقدون بوجود الاله فيها، فقدسية الزهرة من قدسية الاله نفسه.

 

رسوم على جدران المقابر تظهر كيف يكون استقبال الميت. وهذا الاستقبال يكون في الصباح، في الموقع الذي يولد فيه الاله الشمس من جديد (rebirth).

"حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها [وجد الزهرة] تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا"

وكما يدخل الاله (الشمس) الى العالم السفلي بواسطة زهرة لوتس، يخرج ايضا بواسطة زهرة لوتس أخرى، تطلع من الوحل في الصباح الباكر، في موقع مطلع الشمس، في معبد أمون في واحة سيوه.

ومع طلوع الزهرة من الوحل، يبدأون في الغناء والرقص وهم عرايا، احتفالا بمولد إله الشمس ليبدأ يوما جديدا، وأيضا احتفالا بقدوم الموتى الذين رافقوه الى مقرهم الاخير.

لم يكن قدماء المصريين يعتقدون بيوم القيامة، جنتهم وجحيمهم على الارض، ويُحاسبون في نفس اليوم الذي يموتون فيه.

الشمس الشابة في زهرتها اللوتس

"لم نجعل لهم «من دونها» سترا" -- السؤال الان: وهل يستر الانسان عورته من زهرة ، جماد؟

"من دونها" تعني بالقرب منها. "دنى" معناها اقترب. وفي نفس السورة: "حتى اذا بلغ بين السدين، وجد «من دونهما» قوما" أي بالقرب منهما وليس بين السدين بالضبط. وفي سورة الرحمن: "ومن دونهما جنتان"، بالقرب منهما جنتان.

التفسير هو ان هؤلاء القوم ليس لهم سترا في الصباح الباكر عندما يستقبلون طلوع الزهرة من الوحل، عندما يكونون بالقرب منها، أمّا في بقية الاوقات فلهم الخيار في ارتداء ما توفر لهم من ملبس.

ولماذا لم يجعل الله لهم سترا؟ هل بينه وبينهم عداوه؟

منذ الازل والانسان يميل الى "الستر" بالفطره. حتى انسان الادغال يستر عورته بجلد حيوان أو أي شيئ يتوفر له. وفي سورة التين: "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين" فإذا ما وجد الانسان نفسه وقد انحدر الى تحت مستوى الفطره، فليعلم انه في ضلال مبين.

الله سبحانه وتعالى ينبه الانسان بالتدريج على قدر انحرافه عن الطريق المستقيم، الى ان يصل في الانحراف الى درجة اللامعقول، فيرده الى اسفل سافلين، تنبيها له، وليس عداوه. والفطرة البشرية التي اشترك فيها جميع البشر هي ابسط قانون يمكن الاحتكام اليه. وليقارن الانسان أفعاله بهذه الفطرة المشتركة على الأقل. وإن كانت أفعاله نابعة عن تعاليم دينية، فليعلم انها ليست سوى تعاليم شيطانية.

طقوس لبس السماء (skyclad ritual)

الصورة المقابلة فيها نساء عاريات يمارسن طقوسا شيطانية تسمى «طقوس لبس السماء». أطلق عليهم الاجتماعيون في أوربا وأمريكا مصطلح «الوثنية الجديدة». وطقوس أخرى مشابهة يختلط فيها الرجال بالنساء والجميع عرايا.

هذا مثال في العصر الحديث على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا، بالقرب منها سترا، بالقرب من النار، وردهم الى أسفل السافلين، وهم يحسبون انهم يُحسنون صنعا.. وطبعا ليس بالضرورة ان تكون النار هي العامل الوحيد الذي ردهم الله بسببه الى اسفل سافلين.

فإذا لم يكن هناك معيار يقيس به المرء تصرفاته، فكيف سيعرف ان كان على صواب أو على خطأ؟
 


هذه الصورة المُركبة تلخص تصوراتهم عن الشمس -- انظر لحركة الشمس من اليمين الى اليسار. في الجزء الاعلى من جسد آلهة السماء نوت (Nut) ترى قرص الشمس بين نجوم، وهذا هو الليل. وفي الصباح التالي تلد نوت قرص الشمس من فرجها، فيأتي "الصقر" الظاهر في الصورة على الجهة اليسرى، الخارج من عين الماء، وهو رمز "روح" الاله، ويتجسد في القرص. وهنا يبدأ النهار. يمر القرص في النهار من تحت بطن نوت، تتبعه الالهة في زورق رع (زورق الشمس). تضيئ الدنيا ويذهب الناس الى أعمالهم. وفي نهاية اليوم تبتلع نوت قرص الشمس من فمها، فيعود القرص الى داخل جسدها مرة أخرى، بينما تذهب الروح الى العالم السفلي.

 

أوزيريس ينتقل من هليوبولس الى أمنتا (واحة سيوه) في زورق الشمس في العالم السفلي، بعد أن قتله أخاه سيت.. المرأة الواقفة بجواره هي زوجته أيزيس.. في مقدمة الزورق زهرة لوتس، وفي اخره زهرة لوتس، رمزا لدخوله العالم السفلي بواسطة زهرة، وخروجه منه بواسطة زهرة اخرى، والزورق هو وسيلة النقل.

آني كاتب البردية يقف في آخر الزورق
تقول الاسطورة انه دار نزاع بين أوزيريس واخاه سيت، قام سيت وقتل أوزيريس، بعد ذلك قامت الالهة وأحيت اوزيريس حياة روحانية، وجعلته ملكا على الموتى ومُعطيا الحياة الابدية لكل من آمن به.. الرحلة الليلية التي يقوم بها الاله الشمس يوميا مع اتباعه الذين ماتوا في ذلك اليوم هي تقليد لرحلته مع أوزيريس من هليوبولس الى أمنتا.

الصورة المقابلة فيها أيزيس تقف في مقدمة الزورق، يليها إله، ثم الاله رع (الشمس) برأس جعران، ثم إله آخر، وبعده يقف آني كاتب البردية المشهورة المسماة بردية آنى، وهو في هذه الصورة يتخيل حياته بعد الموت.. هذه الرحلة، كما ترى في الصورة، هي تقليد لرحلة أوزيريس بعد موته.

قصة أوزيريس واخاه سيت كتبها المؤرخ الاغريقي بلوتارك (Plutarch)، من مؤرخي القرن الاول الميلادي، عاش في زمن كانت فيه الديانة المصرية قائمة.. نشرها بالانجليزية المتحف البريطاني في كتاب:
(Guide to the Egyptian Collections in the British Museum, p.138-139)

 


مصدر الصورة الفوتوغرافية

عين الشمس في واحة سيوه لا تزال موجودة الى الان، وهي الظاهرة في الصورة في الاعلى، ولكنها جافة. صمموها من الدخل بطريقة تشبه تصوراتهم الدينية، وصنعوا لها ما يشبه الباب بإتجاه تدفق المياه.

كانت الديانة المصرية غنوصية سرية، لا يعرف مفاهيمها الاساسية سوى الكهنة أرباب الديانة، واصحاب المناصب الرفيعة كالملوك والامراء والاميرات.

 

وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ۞ كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْرا

"وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا"

يستقبلون الموتى، وإله الشمس أيضا، بهدايا ومأكولات، عرايا ربنا كما خلقتنا.

الملك رمسيس الثالث يبتهل لولادة رع في الصباح وهو عريان لا يلبس شيئا سوى حزام الورك.

ظهرت اشاعات عن رحلة الاسكندر الى واحة سيوه. فقيل انه ذهب الى هناك من أجل ان ينال لقب ابن الاله، وقيل ذهب لمعرفة من قتل والده، وقيل أيضا لكي يعرف ان كان سيحكم العالم، والشيئ الذين اتفق عليه المؤرخين، الغابرين والمعاصرين، انه لم يخبر أحدا عن هدفه من الزيارة، ولم يخبر أحدا أيضا عن ما دار بينه وبين كهنة المعبد من حديث، واحتفظ بسره لنفسه الى ان وافته المنية وانتقل الى رحمة ربه.

وبعد ان وجدها [وجد الزهره] تطلع من الوحل على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا، أشار القرآن الى شيئ خفي، سري، كان لدى ذو القرنين في مطلع الشمس، "كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْرا" -- هذا الشيئ الذي أحاط الله به خُبْرا هو السر الذي حير المؤرخين قديما وحديثا.

ولكن القرآن أيضا لم يصرح به!

إذا كان صاحب الشأن لم يخبر به أحد، فكيف للقرآن ان يذيع سره على الملأ؟ ومع ذلك، ألمح القرآن الى طبيعة هذا الشيئ الخفي الذي أحاط الله به خُبْرا، ولكن من غير الدخول في تفاصيله.

نجد في بداية الاية كلمة "كذلك" ومعناها: "مثل ذلك" -- مثل ماذا؟ مثل الآية التي قبلها. وتلك الآية تحكي طقوس من معتقدات القوم. وطبعا كلمة "كذلك" ليس بالضرورة ان تكون مثله بالضبط. وقولك "سعيد كالاسد" ربما تقصد صفة واحدة مشتركه. وكذلك هنا على هذا الوزن. كان لديه شيئ له علاقة بدينهم. ربما أسئلة عن معتقدات القوم لا يستطيع الاجابة عليها سوى كبار الكهنه، وبما ان ديانتهم كانت غامضة تكتنفها الاسرار، فالاحتمال انهم هم من طلب منه ان لا يخبر أحد. فالتزم الرجل بكلمته معهم.

اقتباس: "﴿كَذَلِكَ﴾ الكافُ لِلتَّشْبِيهِ، والمُشَبَّهُ بِهِ شَيْءٌ تَضَمَّنَهُ الكَلامُ السّابِقُ بِلَفْظِهِ أوْ مَعْناهُ. والكافُ ومَجْرُورُها يَجُوزُ أنْ يَكُونَ شِبْهَ جُمْلَةٍ وقَعَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ، أيْ تَشْبِيهًا مُماثِلًا لِما سَمِعْتَ." -- تفسير ابن عاشور

الاقتباس اعلاه فيه المعنى اللغوي لكلمة كذلك.. وكما ترى في الاقتباس: تشبيها مماثلا لما سمعت.. أي ان ما كان لدى ذو القرنين هو كالذي سمعته في الاية السابقة.. وطبعا الاية السابقة مبهمة، وهذه الاية ايضا مبهمة، ولا يمكن معرفة المراد منهما الا اذا عرفت ذو القرنين اولا.

"لم نجعل لهم «من دونها» سترا" -- رأينا فيما سبق ان التعبير (من دونها) يعني بالقرب منها.

السبب في هذه الطقوس الشاذة في دين المصريين عائد الى حتحور ابنة رع.. بحسب الاسطورة، انه بعد مقتل أوزايريس، حدث صراع على السلطة بين حورس [ابن أوزيريس] وبين سيت، غضب الاله رع من أفعالهم وجلس حزينا، فقامت ابنته حتحور وخلعت ملابسها وبدأت ترقص أمامه وهي عارية من الملابس حتى ذهب حزنه وانفجر من الضحك.

"In the myth of the contest for power between Horus and SETH it is the goddess [Hathor] herself, 'lady of the southern sycamore', who cures her father Ra of a fit of sulking by dancing naked in front of him until he bursts into laughter." (George Hart, The Routledge Dictionary of Egyptian Gods and Goddesses, 2nd ed., p.65)


المرأة الظاهرة في الصورة هي حتحور، عارية من الملابس، والصورة من معبد حتحور في قرية دندره في محافظة قنا، والطفل المولود هو حورس.

 

"حتى اذا بلغ بين السدين..."

الموقع الثالث الذي بلغه ذو القرنين هو بين السدين، حيث اغلق ممرا كان يخرج منه قوم يأجوج ومأجوج لغزو البلدان المجاورة.. هؤلاء القوم الذين يسميهم القران يأجوج ومأجوج هم نفس القوم الذين يطلق عليهم الاغريق اسم السيث والسارماش.  اختلاف التسميات في الشعوب القديمة كانت من الاشياء العاديه. فمثلا الاغريق كانوا يسمون مصر إيجبتوس، بينما المصريين يسمونها مصر، والعرب يسمونها مصر، واليهود يسمونها مصريام. الآن إيجبتوس ليست ترجمة لمصر، وإنما هو من المحتمل ان يكون اسم إله أو شيئ مقدس.

أغلق الاسكندر الممر ببوابة من حديد، وفي القران حديد مطليٌ بالقطر (قيل انه النحاس)، "آتوني زبر الحديد... أفرغ عليه قطرا".. ظلت البوابة مغلقة لمدة (400) سنة تقريبا، وهذا يدل على انها لم تكن من حديد فقط وإلا تآكلت بالصدأ.. ثم بعد ذلك فتحها حاكم ولاية هيركانيا في العام (72) ميلادي، بعد ان عقد اتفاق مع قوم يأجوج ومأجوج أن لا يتعرضوا لبلده. كتب عن فتح البوابة مؤرخ معتبر عاصر الحدث (حدث فتح البوابة وليس بنائها)، وهو المؤرخ اليهودي يوسيفوس.

بعد ان فتحت البوابة، قام يأجوج ومأجوج بغزو ميديا وأرمينيا. وأخذوا معهم مجموعات هائلة من الغنائم من البلاد التي غزوها، ثم عادو الى حيث أتوا. ولكن بعد هذا الغزو بدأوا بالهجرة من مناطقهم شيئا شيئا والانصهار في الشعوب المجاوره. وما ان حلت سنة (100) ميلادي لم يبقى لهم أثر يذكر.

لا توجد آية واحدة في القرآن تقول بعدم خروجهم، وفي الحقيقة ظاهر الايات من سورة الانبياء وسورة الكهف تدل على خروجهم قبل نزول القرآن، كما سنرى في الباب المخصص عن يأجوج ومأجوج. أمّا بالنسبة للاحاديث فلم يصح منها "سندا" سوى حديث واحد فقط لا غير قال عنه ابن كثير فيه نكارة، بناءا على المتن، وذلك لتعارضه مع صريح القران، في تفسير الاية "فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا" (الكهف 97).

اقتباس: "ويؤكد ما قلناه - من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع - قول الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة ... عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان أربع نسوة - قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه. وهو محمر وجهه، وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا. وحلق. قلت : يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث" -- (ابن كثير)
http://quran.ksu.edu.sa/...

وقال الامام أحمد بن حنبل، إمام أهل الحديث: "ثلاثة كتب ليس لها اصول وهي المغازي والتفسير والملاحم" (لسان الميزان، ابن حجر، الجزء الاول، ص 207) -- التفسير هو تفسير القران، الملاحم هي الفتن والحروب وعلامات الساعة، والمغازي هي غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم). وعلى قول الامام أحمد، فلابد من رفض كل الاحاديث المتعلقة بعلامات الساعة، بما فيها احاديث المهدي، والدجال، ويأجوج ومأجوج، الخ.

يوجد كتاب بعنوان "السيث بين سنة 700 - 300 قبل الميلاد" (The Scythians 700-300 BC)، مؤلفه باحث روسي يُدعى سيرنيكو (E.V. Cernenko). والكتاب مترجم الى الانجليزية. تحدث المؤلف بقدر ما توفر له من مصادر ومكتشفات عن قوة السيث في تلك الفترة. وأنهم تمكنوا من هزيمة امبراطوريات عظيمة في اسيا والشرق الاوسط. منها امبراطورية فارس في عهد الملك كورش مؤسس الامبراطورية الفارسية، وهزموا الامبراطورية البابلية، والاشورية، ولم تسلم من شرهم سوى مصر، وما كان ذلك ليحدث الا بعد أن أجبروا المصريين على دفع الجزية.. عندما يغزون الدول، لم يكن هدفهم احتلال الارض وفرض السيطرة والقانون عليها، ولا لأي سبب سياسي أو استراتيجي، وإنما بقصد استباحة المدن من أجل السلب والنهب والتخريب فقط ، مفسدون في الارض!

الملاحظ ، ومن عنوان الكتاب، ان سطوتهم على شعوب الارض توقفت عند سنة 300 قبل الميلاد. وهذا هو الزمن الذي جاء فيه الاسكندر المقدوني! بما يعني ان شيئا ليس طبيعيا قد حدث ومنعهم من غزو الشعوب الاخرى. ولم تعد لهم غزوات على أمم الارض إلا في الخبر الذي أورده يوسيفوس. وما كان ذلك ليحدث إلا بعد فتح بوابة الاسكندر!

هل كل ما ذكره القرآن عن ذو القرنين هو اجابة على السؤال من هو ذو القرنين؟ الاحتمال هو انهم سألوا النبي محمد سؤالا كان من الصعب الاجابة عليه. فكان الجواب هو ذو القرنين. وهي اجابة كافية لمن ينتظر هذه الاجابة فقط. فمثلا لو سألت عن شخص رسام ثم اصبح حاكما على ألمانيا. فأتاك الجواب هو هتلر. فإذا كنت تنتظر هذه الاجابة فقط، فهي تكفي. ولكن اذا اتاك الجواب كالتالي: سألتني عن هتلر -- هو كان كذا، وكذا، وكذا، الخ. الان كل ما جاء بعد الاسم لا علاقة لك به. وعليه نفترض ان السؤال كان على هذا النحو.

تبعنا خطى ذو القرنين فأوصلتنا الى الاماكن التي رأينا، ووجدناها تعكس الآيات القرآنية كالمرآه، بالمعنى الحرفي بالضبط، وبنفس الترتيب الذي ذكره القرآن: مغرب الشمس، العين الحمئة، ومطلع الشمس، وأخيرا بين السدين.. المعيار في تحديد هوية ذو القرنين هي الاماكن التي وصل اليها الرجل، كما ذكرها القران بالضبط ، وبالدليل التاريخي المعتبر، وليس تفضيل شخص على آخر على حسب الهوى والمزاج.

 

 

الفهرس...
(1) معلومات عامة
(2) الديانة المصرية القديمة
(3) يأجوج ومأجوج (السيث والسارماش)

 

1) معلومات عامة

ذو القرنين والعين الحمئة ويأجوج ومأجوج -- إذا كان يأجوج ومأجوج معروفين، والعين الحمئة معروفة ولا تحتاج سوى لفت انتباه، لما ظل المسلمون ينسجون الاساطير حول يأجوج ومأجوج لأكثر من (1400) سنة، ولما قامت المواقع والقنوات التبشيرية بوضع العين الحمئة تحت المجهر بقصد الاستهزاء والسخرية من القرآن، إلا ان ما ذكره القرآن عن ذو القرنين، والاحداث التي رافقته، ليست في معلوم الكثير،  لذا سنبدأ الموضوع ببعض المقدمات -- وطبعا بإمكانك سحب الصفحة الى الاسفل لأخذ لمحة سريعة على ما فيها!

العين كما هو معلوم في لغة العرب منبع ماء يتدفق من تحت الارض.. وهذه هي العين التي قصدها القرآن بالضبط، وفيها حمأ (وحل). لم يقصد القرآن بحر ولا بحيرة، لا بحر لامع ولا بحر نتن، عين حمئة (موحلة) فقط لا غير، كما هو مكتوب في القرآن حرفيا. وهذه الاية من الآيات "المحكمات" التي لا تقبل سوى تفسير واحد فقط، و ذو القرنين وجدها تغرب (تغطس) في تلك العين الموحلة.

قيل ان القرآن نقل قصة ذو القرنين من رومانسيات الاسكندر، فتبين من دراستنا للموضوع ان العكس هو الصحيح، حيث يعود تاريخ الرومانسيات الى القرن التاسع الى العاشر الميلادي، أثناء العصر العباسي، نقلها كُتّابها من تراث المسلمين وأقوال المفسرين، قال المفسرون انه رآى الشمس كما يراها الناظر وهي تغرب في البحر، فكتب أصحاب الرومانسيات كذلك، بينما القرآن يتحدث عن "عين" وليس عن بحر، لم يقل رآها، وإنما وجدها.

المفسرين الأوائل، كعبدالله بن عباس وغيره، تبنوا قول الحاخام كعب الاحبار في انه يرى الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين، وهو طبعا يكذب عليهم، لأنه لا يوجد شيئ من هذا الكلام في كتب التوراة. ما وجدناه في التوارة (العهد القديم) هو ان الشمس توقفت في وسط السماء في انتظار بني اسرائيل الى ان ينهوا معركتهم، ولم تتحرك من مكانها الى ان انتهت المعركه. ولا ندري كيف حدث ذلك، لأن الشمس أصلا واقفه، والارض هي التي تتحرك!

أمّا قصة الشمس التي تغرب في ماء وطين فهي من تأليف كعب الاحبار. ولكن المفسرين الأوائل (رحمهم الله) أحسنوا الظن فيه وأخذوا بأقواله وفبركاته. ولم يتغير هذا التفسير الا بعد ان تبين للمسلمين ان الشمس أكبر جرما من الارض. وبعد فترة من تغير التفسير، نقلت الرومانسيات التفسير الجديد.

معلومة أخرى لابد من التنويه إليها، وهي التفسير الرائج لكلمة وجدها على معنى الرؤية القابلة للخداع البصري، أي "كسراب بقيعة يحسبه الضمئان ماء"، وهو قولهم انه رآها كما يراها الناظر.

وجود الشيئ هو ادراكه والتأكد من وجوده بما لا يدع مجالا للشك، ولا تأتي أبدا في مجال الخيال. مثال على استخدامها: "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا" -- فإذا كنّا سنأخذ المصطلح بما يعني الرؤية البصرية، وأن وجدها تساوي رآها، فهذا يضع احتمال ان زكريا كان يتخيل أشياء على غير حقيقتها!

"والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء، حتى اذا جاءه لم يجده شيئا" (النور 39) -- في هذه الاية مثال على رؤية الاشياء على غير حقيقتها. العطشان رآى السراب وكأنه ماء، حتى اذا جاءه لم يجده شيئا، أمّا ذو القرنين حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها!

"ما فرطنا في الكتاب من شيئ" -- من الذرة الى المجرة، من بداية خلق الكون الى قيام الساعة، كله موجود في القرآن، ولكن ليس بالتفاصيل. بالاشارات والتلميحات، وأحيانا بالألغاز. ومع ذلك، القرآن على ظاهره، كما تقرأه بالضبط ، لسان عربي مبين. فإذا قال القرآن شرق يعني شرق ، وإذا قال غرب فمعناه غرب ، وإذا قال عين حمئة فهي كذلك.

 

"وآتيناه من كل شيئ سببا، فأتبع سببا"

السبب هو الوسيلة. ويقال: تعددت الاسباب والموت واحد، اي تعددت الوسائل، والوسائل يمكن ان تكون حسية ملموسة كالسيف مثلا، أو معنوية غير مشاهدة، كالسكتة القلبية مثلا، وفي حالات غير الموت، يمكن أيضا ان تكون حسية أو معنوية أو ذهنية تقديرية، ولا يمكن تحديد السبب الذي ذكره القرآن إلا إذا عرفنا عن ماذا تتحدث الآيات، وفي حالة الاسكندر، اتبع العلم والمعرفة والفلسفة، وما أتاه الله من الامور المادية، وزيارة الاماكن الدينية، كوسائل لتقصي الحقيقة، وهي معرفة الله.

"أم لهم مُلك السّماواتِ والأرضِ وما بينهما فليرتقوا في الأسباب" (سورة ص، آية 10) -- والمعنى هو انهم لو كانوا يعتقدون انهم امتلكوا السماوات والارض، فليرتقوا في الأسباب، فليصعدوا في الوسائل المتاحة لهم. في الماضي لم تكن هناك وسائل يصعدون فيها، ولكن في العصر الحديث بإمكانهم ان يصعدوا في مركبات فضائية مثلا، ثم ينظرون ان كانوا فعلا لهم ملك السماوات والارض أم لا.

ويأتي السبب أيضا بما يعني الدافع والمغزى، كقولك: ما هو السبب الذي جعلك تفعل كذا وكذا. هذا المعنى مشتق من المعنى الاصلي: وسيلة توصل الى غايه، هدف، نتيجه.

وبما انه اتبع سببا، وسيلة توصل الى نتيجة، نجد ان ذو القرنين ذهب الى هذه الاماكن وهو قاصد لها، ولم يسير في الارض هائما على وجهه، لا يدري أين تحط قدماه، ليجد نفسه بالصدفة في مغرب الشمس!

يبدو ان الاسكندر كان يُقّيم الاديان ويقارنها ليرى ما يصح منها. مثل النبي ابراهيم وغيره الكثير من الناس على مر العصور والازمان. يختبرون الاديان والمذاهب قبل ان يتوصلوا الى النتيجة النهائية بحسب المعايير التي اعتمدوها. وفي قصة النبي ابراهيم عليه السلام التي ذكرها القرآن، اختبر النبي ابراهيم النجوم والقمر والشمس (فلمّا جنّ عليه اللّيلَ رأى كوكبا قال هذا ربّي... فلما رأى القمرَ بازغا قال هذا ربي... فلما رأى الشمسَ بازغةً قال هذا ربي...). وما يدريك ان الاسكندر لم يكن يزور المعابد الوثنية بقصد تجربة الالهة التي فيها بناءا على معايير لديه، ليختبرها ويعلم حقيقتها، فالرجل لم يكن يخبر أحدا عن اسباب زياراته للمعابد.


ارسطو يُدرس الاسكندر
تتلمذ الاسكندر على يد الفيلسوف ارسطو وتعلم منه.. تتبع الحقيقة كانت من أساسيات مذهب ارسطو الفلسفي.

من سلسلة «في سبيل موسوعة فلسفية»، كتب المؤلف في المقدمة: "يرى أرسطو وهو يبحث في ماهية المعرفة أنها تنتج من صلة التفكير بالآراء، ثم من الصلة بين هذه الآراء وبين النتائج والأدلة، يعني اذا وقعت حواس الانسان على شيئ فإنه يكتشف صفات هذا الشيئ، مادته، طوله، حجمه، لونه، الخ. وبعدئذ يتألف من هذه الافكار المختلفة رأي بأن هذا الشيئ بيت مثلا. على أن هذا الرأي يكون في بادئ الامر اقتناعا شخصيا، فيجب على الانسان أن يقارن هذا الذي قال عنه بيت بأمثاله من البيوت المعروفة ليرى اذا كانت النتائج التي وصل إليها بالتفكير مطابقة للمعروف عن البيوت، ثم يقيم الدليل على نتائجه -- ويرى أرسطو أيضا ان إيمان الناس بالآلهة يرجع الى التأثير العظيم الذي يتركه في نفوسهم عظم العالم وجماله وقوانينه المحكمه. ولقد اعتقد البشر دائما في كل عصر وفي كل أمة وفي كل طور من أطوار الانسانية بقوة عظيمة مقتدرة قاهرة فوقهم، هي الله. وهذا هو الدليل الوجداني على وجود الله حسب مفهوم هذا الحكيم الكبير".
(د. مصطفى غالب، في سبيل موسوعة فلسفية، كتاب أرسطو، طبعة 1982، ص 11)

لم يحظى فيلسوف بالتقبل في العالم الاسلامي في القرون الوسطى مثل ارسطو، وأطلقوا عليه لقب «المعلم الاول»، مع العلم ان لقب "المعلم" لم ينله في بلده، ناهيك ان يسموه بالاول.

في كتاب فصل المقال لإبن رشد، كتب المحقق: "وقد عاش ابن رشد ما عاش معتقدا ان مذهب ارسطو، اذا فهم على حقيقته، لم يتعارض مع اسمى معرفة يستطيع ان يبلغها انسان، بل يرى ان الانسانية، في مجرى تطورها الازلي، بلغت في شخص ارسطو درجة عالية يستحيل ان يسمو عليها احد، وان الذين جاءوا بعده تجشموا كثيرا من المشقة واعمال الفكر لاستنباط آراء انكشفت بسهولة «للمعلم الاول»، وستتلاشي بالتدريج كل الشكوك والاعتراضات على مذهب ارسطو، لأن ارسطو فوق طور الانسان، وكأن العناية الالهية ارادت ان تبين فيه مدى قدرة الانسان على الاقتراب من العقل الكلي."
(فصل المقال، دار المشرق، الطبعة الثانية، ص 15)

هذا الشخص الذي يسميه ابن رشد المعلم الاول، تتلمذ الاسكندر على يديه لمدة اربع سنوات، وبعد موت أبيه وتوليه حكم مقدونيا، كثرت عنده مشاغل الحياة، ولكنه استمر في ملازمة ارسطو لأربع سنوات أخرى، الى ان بدأ حملته العسكرية.
 

الاسكندر المقدوني (من موسوعة العالم الجديد)
"كان أرسطو معلم الاسكندر، اعطى الاسكندر تدريب شامل في البلاغة والأدب وحفز إهتمامه في العلوم الطبيعية والطب والفلسفة. يقول ارسطو ان حياة الانسان لها غرض وان جميع الناس يجب ان يدركوا ذلك الغرض، كما يجب عليهم استخدام قدراتهم الى اقصى إمكاناتها. كان يعتقد ان السعادة يمكن الحصول عليها عن طريق استخدام العقل والتصرف بشكل مستقيم. وعن الفضيلة يقول ارسطو انها تكمن في الاعتدال في كل شيئ. السعي لتحقيق التفوق الاخلاقي، والسعي وراء الحقيقية، أمر طبيعي."
"Aristotle was Alexander's tutor; he gave Alexander a thorough training in rhetoric and literature and stimulated his interest in science, medicine, and philosophy. Aristotle taught that human life has a purpose and that all people need to realize that purpose and that everyone should use their abilities to their fullest potential. He believed that happiness is acquired through use of reason and by acting virtuously. Virtue, said Aristotle, lies in moderation in all things. The pursuit of moral excellence, and of truth, is natural."

الاقتباس اعلاه من موضوع عن الاسكندر، وليس عن ارسطو.. الاسكندر لم يؤلف كتب ولم يكن لديه طلبة يكتبون عنه فلسفته في الحياة، وفي الحقيقة لم يكن يصرح بأفكاره لأحد، ولا حتى اقرب المقربين اليه، ولا توجد طريقة منطقية لتفسير تصرفاته وتوجهاته الفكرية وأخلاقه إلا بدراسة فلسفة ارسطو، وهو ما فعله صاحب الاقتباس اعلاه.

ادق التواريخ المكتوبة عن الاسكندر هو تاريخ اريان (Arrian)، وذلك انه يذكر مصادره، وقال انه اخذ تاريخه من ابن بطليموس ملك مصر، وبطليموس صديق الاسكندر واحد جنرالاته، وكان بطليموس يكتب مذكراته في رحلاته وغزواته مع الاسكندر. وبالرغم من اقرار المؤرخين المعاصرين ان تاريخ اريان هو الادق على الاطلاق، إلا انهم يتهمونه بالتحيز لصالح الاسكندر، وانه لا يكتب عنه إلا الايجابيات، فيذهبون للبحث عن السلبيات في كتب المؤرخين الاخرين، ولا يملكون طريقة في ترجيح رواياتهم إلا التخمين.

اتهموه بالشذوذ الجنسي.. وهذا كلام سخيف، ولا مصدر له سوى مؤرخين من الدرجة الثانية والثالثة نسبوا له روايات اقرب الى الخيال من الواقع.. ولا عجب في ذلك، فأغلب المشاهير ينسبون لهم قصص من وحي الخيال، وقالوا عن هتلر انه مخنث، وجورج واشنطن ايضا كذلك، وهذا يحدث في الزمن الحاضر، في وقت كل شيئ فيه تحت المجهر، فتخيل حجم التلفيق في الماضي السحيق.. إذا كان أمر الحاضرين يريبنا، فكيف بأمر الغابرين نصدقُ؟

الصحيح من تاريخ الاسكندر هو ما كتبه المؤرخ اريان، أمّا بقية المؤرخين فقد اختلطت عندهم الحقائق بالاشاعات، وتمييز الصحيح من السقيم في رواياتهم أمر متعذر.

قيل انه وثني، ضربا بالغيب. ولا يعلمون حقيقة معتقده وبماذا يؤمن.. الرجل احتفظ بمعتقداته لنفسه ولم يخبر بها أحد، وفي أي حال فلن تخرج عن ما تعلمه من ارسطو.

كان كلما دخل بلدا زار معابدها، ولم يكن أبدا يصرح بالسر في زيارته لتلك المعابد. لذا افترض بعض المؤرخين المعاصرين انه كان يزورها بقصد ان يكسب ود أهل البلد. وكانت المفاجئة في رحلته الى واحة سيوه، منطقة نائية في قلب الصحراء ليس فيها أي هدف سياسي أو استراتيجي. وأيضا لم يخبر أحد بقصده من تلك الزياره، ولكن توجد "تخمينات" من القيل والقال.

أهل مدينة صور أعلنوا له الحياد في حربه مع فارس، وكانوا سيسمحون له دخول بلدهم دون قتال، شرط ان لا يدخل معبدهم، فأصر على دخول المعبد، مما جعل اهل صور يرفضون دخوله البلد، فنشبت بينهم حرب استمرت ستة اشهر. فإذا كان السبب في دخوله معابد أهل البلد ليكسب رضاهم فقط، لكان وافق على الشرط، لأنه فيه رضاهم، ولكن هناك سبب آخر لم يخبر به أحد، والله وحده هو الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.

مسألة ان الاسكندر كان وثنيا مبنية على اساس ان اغلب الاغريق وثنيين. بينما لا يوجد شيئ على الاطلاق ما يثبت انه هو شخصيا كان وثنيا. الرجل لم يشيد تمثالا واحدا، ولا معبدا واحدا، لأي من آلهة الوثنين الذين كانوا في ذلك الزمن، ولا حتى تمثالا لنفسه. ولم يصدر عملة معدنية واحدة عليها آلهة الوثنيين. وبالعكس من ذلك، كان في خطاباته العسكرية يتحدث عن اله الكون الواحد، وليس عن إله كأمون رع أو زيوس. وجاء في خطاب له سجله المؤرخ اريان: "الله نفسه، وبالاضافة الى انه جعل داريوس يترك الارض مفتوحة لنا وينزوي بجيشه العظيم في مكان ضيق، فقد اتخذ مسؤلية العمليات لصالحنا."

"God himself, moreover, by suggesting to Darius to leave the open ground and cram his great army into a confined space, has taken charge of operations in our behalf."
http://www.thelatinlibrary.com/...

هذه جملة قصيرة ولكن معناها كبير. كان الاسكندرقائدا فذا عظيما بمعنى الكلمة، ومع ذلك، لا ينسب الفضل لنفسه. يقول الله هو الذي جعل داريوس يترك الارض لنا، والله هو الذي تكفل بمسؤلية العمليات لصالحنا. وماذا كان دور الاسكندر؟ من وجهة نظره لم يفعل شيئ!

وفي القرآن: "قال هذا رحمة من ربي"، "قال ما مكني فيه ربي خير"؟ فإذا كان ذو القرنين الذي ذكره القرآن يعيد الفضل في كل صغيرة وكبيرة لله، فهذا هو الاسكندر وهذا هو اسلوبه في الحديث.

الاسكندر المقدوني على عملة معدنية بقرون فيل هندي. هذه العملة هي العملة الوحيدة التي أصدرها الاسكندر اثناء حياته. بينما العملات الاخرى بقرون الكبش صدرت له بعد موته تخليدا لذكراه. كانت القرون في السابق رمزا للقوة والبطش، وليس لها أي رمزية دينية كما يشاع. وإن كان الاغريق قد وضعوا على رأس إلههم زيوس قرون الكبش، فهم من وضعها على رأسه، ولم يأتهم زيوس بهيئة رجل على رأسه قرون.

كان الرأي السائد بين المسلمين في الماضي ان ذو القرنين هو الاسكندر المقدوني. ربما بنوا هذا الافتراض على العملة المعدنية التي عليها صورته بقرون الكبش. ومع انه لم يصدر تلك العمله، إلا انها كانت متداولة في الجزيرة العربية والشام ومصر. وأيضا على اساس ان السائلين لابد انهم سألوا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عن شخص معروف، وليس عن كائن خرافي، أو مخلوق انقرض في عصر الديناصورات، أو عن شخص من العصر الحجري دخل التاريخ وخرج منه دون أن يعرفه أحد ولم يكتب عنه أحد. مع العلم ان القرآن ممكن ان يتحدث عن احداث أو شخصيات لم يرد لها ذكر في التاريخ المعروف، ولكن في هذه الحالة يأتي الحديث عنها كمعلومة جديدة وليست ردا على سؤال.

الان في العصر الحديث، وبعد تداخل الثقافات، اطلع بعض المسلمين على ما يقال عن الاسكندر في أوربا، فصرفوا النظر عنه وأعطوا لقب ذو القرنين لملك فارس، كورش. وكأن المسألة هي مجرد لقب، اسحبه عن هذا واعطه الثاني! وما يدريكم ان ملك فارس كان شخص جيد؟ كان الرجل يلقب نفسه ملك الملوك، شاهنشاه!

قيل ان كورش مكتوب عنه في كتاب اشعيا. وأيضا: ما يدريكم ان تقرأونه في هذه الكتب صحيح؟

بالرغم من ان الفصل من كتاب اشعيا لا يسمي كورش ذو القرنين، ولا ينسب له أي من الاحداث التي ذكرها القرآن، إلا ان هذا الفصل بحد ذاته مشكوك في صحته. ويُعتقد انه فصل ملفق أدخله اليهود على كتاب اشعيا اثناء الاسر البابلي، كنوع من النفاق والمجاملة حتى يسمح لهم كورش بالعودة الى فلسطين.. الرابط التالي فيه اقوال بعض المحققين في سفر أشعيا، ورأيهم في اجزاء يشكون في صحة نسبتها الى أشعيا، ومنها الجزء المتعلق بالملك الفارسي كورش (Cyrus)، وإنه كُتب اثناء الاسر البابلي، بعد موت اشعيا النبي بزمن:
http://www.christiananswers.net/...

 

2) الديانة المصرية القديمة

راينا في الملخص ان الاسكندر دخل مصر من تل الفرامة دون قتال، وهو في طريقه الى ممفس، توقف في مدينة هليوبولس، طبقا لما ذكره المؤرخ اريان (Arrian)، وكان فيها في ذلك الزمن أكبر معابد الشمس في مصر كلها على الاطلاق، وكانت توجد فيها عين ماء مقدسة، موحلة، تسمى «عين الشمس»، وقد سبق الحديث عن وظيفتها.

كتب عالم المصريات «واليس بدج» عن قيام ملك النوبة بغزو مصر واحتلالها. كان الملك يدعى پيانخي (Piānkhi). وكان سكان النوبة على دين المصريين، بنفس الآلهة والطقوس. هذا الملك سلك نفس الطريق الذي سلكه الاسكندر ولكن بالعكس، فبدلا من هليوبولس الى ممفيس، جاء الملك من ممفيس الى هليوبولس. وبحسب بدج، يوجد نقش حجري كبير في المتحف المصري يصف هذا الغزو من بدايته. الان سنستعرض الفقرة الخاصة بهليوبولس وعين الشمس، لترى مكانة هذه العين الحمئة بعيون القوم الذين قدسوها:

"عبر [پيانخي] من مدينة ممفيس الى الجهة الشرقية من النهر وتوجه الى مدينة «هليوبولس» ليقدم القرابين لـ تِمو [إله الشمس الميت]. أغط [أحم] وجهه في ماء العين المشهورة عين الشمس (Fountain of the Sun)، وقدم ثيران بيض قرابين لـ رع، ثم ذهب الى المعبد العظيم لإله الشمس. رحب به رئيس الكهنة وباركه. ثم قام بعمل طقوس غرفة توات [غرفة الاموات]، وكسى نفسه بملابس الطقوس، وبخر نفسه، وتم رشه بالماء المقدس، وقدم زهور في الغرفه، التي فيها الصخره، حيث مسكن روح إله الشمس هناك في أوقات معينه. ثم صعد الى مقام الاله رع ووقف هناك. كسر الختم وفتح باب المقام، ونظر الى الاب الاله رع في «حت بنبن». قدم التحية الى زورقي رع، زورق ماعتت و زورق سختت، ثم أغلق باب المقام وختمه بالختم الخاص به."

"From Memphis he [Piānkhi] passed over to the east bank of the Nile to make an offering to Temu of Heliopolis. He bathed his face in the water of the famous "Fountain of the Sun," he offered white bulls to Rā at Shaiqaem-Anu, and he went into the great temple of the Sun-god. The chief priest welcomed him and blessed him; "he performed the ceremonies of the Tuat chamber, he girded on the seteb garment, he censed himself, he was sprinkled with holy water, and he offered (?) flowers in the chamber in which the stone, wherein the spirit of the Sun-god abode at certain times, was preserved. He went up the step leading to the shrine to look upon Rā, and stood there. He broke the seal, unbolted and opened the doors of the shrine, and looked upon Father Rā in Het-benben. He paid adoration to the two Boats of Rā. (Mātet and Sektet), and then closed the doors of the shrine and sealed them with his own seal." (Budge, The Literature of the Ancient Egyptians, P.124)
http://www.gutenberg.org/...

هذه العين التي يسميها بدج العين المشهوره، عين الشمس، (fountain of the sun)، كان يزورها الملوك ويقدمون عندها القرابين، ويغسلون وجوههم بمائها. هذه العين هي العين الحمئة التي وصل اليها ذو القرنين.

كانت هذه العين بالنسبة لهم في مكانة بئر زمزم عند المسلمين، وكانت مدينة هليوبولس في ديانتهم في مكانة مكة عند المسلمين، والمعبد العظيم لإله الشمس يقابله المسجد الحرام، ولكن بعرف ذلك الزمن، كان اكبر من المسجد الحرام، حيث بلغ عدد العاملين فيه في قمة ازدهاره (13) ألف من كهنة وعبيد. وكل هؤلاء يقيمون دينهم على زهره!

"At its height, the temple employed 13,000 priests and slaves."
http://looklex.com/...


مسبح كليوبترا

عين الشمس: عالم المصريات «واليس بدج» كتب عن عين الشمس في فقرات من كتبه، منها الاقتباس في الاعلى، كما كتب عنها غيره ممن درسوا التراث المصري، ولكن اغلبهم لم يضعوها تحت المجهر ويبحثوا في اهميتها أو معرفة موقعها.. الامر الشائع في هذا الزمن ان ما يُطلق عليه مسبح كليوبترا في واحة سيوه هو عين الشمس التاريخية التي كتب عنها المؤرخين الاغريق.

سبق وراينا انه كان لدى المصريين عينين مقدستين، وكلاهما يحملان نفس الاسم (عين الشمس)، احداهما في هليوبولس والاخرى في واحة سيوه.. الحديث الان عن التي في واحة سيوه، أمّا التي كانت موجودة في هليوبولس فقد انطمست من الوجود ولم يبقى لها اثر.

بالنظر للرسوم المصرية، نجدهم يرسمون عين الشمس بجوار الاله امون، وهذا يدل على انها قريبة جدا من معبد أمون، بينما مسبح كليوبترا يبعد حوالي كيلومتر واحد عن المعبد. وأيضا شكلها في الرسوم يختلف عن شكل هذا المسبح.. بحثنا عن مصدر يؤكد هذه المعلومة فوجدنا كتابا أصدره معهد ألماني متخصص في دراسة الحضارات، والكتاب موجود في مكتبة جوجول، والتالي جزء من الصفحة المعروضة في موقع جوجل:

يذكر الكتاب انه توجد الان بئر تبعد مسافة (37) متر من مدخل المعبد. ويقول ان هذا الموقع يتناسب مع ما ذكره ديودوروس (Diodorus) وما كتبه كارتيوس روفوس (Curtius Rufus) عن عين الشمس، ثم يذكر ما كتبوا: "في وسط الفناء المقدس" و "بجوار الحرم مباشرة"

 "in the middle of the holy precinct" and in the "immediate neighbourhood of the sanctuary"
(Annales Du Service Des Antiquites de L'Egypte, olume 82, p.191, By The Supreme Council of Antiquities)


وبعد البحث وجدنا لها الصورة التالية:


مصدر الصورة الفوتوغرافية

الصورة على اليمين اعلاه صورة فوتوغرافية لعين الشمس في معبد أمون، وهي الان جافة، ولكن يبدو انها كان فيها ماء الى وقت قريب جدا، وإلا لما ظلت مفتوحة الى الان، ولا غرابة في ذلك، فمسبح كليوبترا عين ماء أيضا، ولا يزال الماء ينبع فيها من ايام كليوبترا لحد الان.. صمموها من الدخل بطريقة تشبه تصوراتهم الدينية، وصنعوا لها ما يشبه الباب بإتجاه تدفق المياه. في عصر الديانة المصرية كان الماء ينبع منها ويسقي حديقة معبد أمون، طبقا للكتابات الاغريقية.
 

رمزها الهيروغليفي شكل منحني من الاعلى وفوقه شمس (عين الشمس)

جميع الصور في الاعلى لعين الشمس، ولكن فيها مشاهد مخلتفة.. الصورة الاولى من جهة اليسار نرى فوقها باب، بما يعني انها بوابة (بوابة العالم السفلي).. الجزء اللاصق بالارض عليه ما يشبه النقاط ، وهذه حجارة، واذا عدت الى الصورة الفوتوغرافية ستجدها مبنية بالحجارة.. بالنظر الى الصورتين في الوسط نراها تشبه البئر ولكن الجزء العلوي منها فيه انحناء (تقوس)، والسبب لهذا الانحناء هو لجعل الماء المتدفق يسير في مسالك (جداول مائية) حتى لا يغطي محيط العين ويصعب الوصول الى المنبع حيث يزرعون زهور اللوتس. زهور اللوتس تعيش في المياه العميقة، بما يعني ان هذه العين كانت مليئة بالماء من فوق الى تحت. الصقر هو رمز الاله رع (الشمس). رمزها الهيروغليفي هو الظاهر في الصورة على اليسار، وهو يشابه الصورة في الاعلى من جهة اليمين، وفيه شمسين، الشمس الحمراء شمس الغروب، والثانية شمس الصباح.

الانحناء الظاهر في الرسوم ليس موجودا في الصورة الفوتوعرافية.. ربما تحولت الى بئر قبل جفافها ولم يعد له لازم.. واذا نظرت للصورة الفوتوعرافية الان ستجد الحجارة في اعلى البئر غير متجانسة مع بقية البناء، بما يدل على انها اضيفت في وقت متأخر، واذا ازحت الحجارة غير المتجانسة من اعلى البئر ستجد الانحناء موجود.

بما ان ماء العين متدفق من تحت الارض فكيف يتجمع الوحل بداخلها؟ عادة زهور اللوتس تنبت على ضفاف الانهار، ولكن افترض انك اردت زراعتها في حديقة أو مشتل زراعي مثلا، فسوف تقوم بصناعة حوض عميق ثم ستحضر طين الوحل من مكان ثاني وتسكبه داخل الحوض، وبعد ذلك ستضع بذور الزهرة بداخله.. وإن لم تكن هذه العين موحلة بشكل طبيعي فالاحتمال انهم يسكبون طين الوحل بداخلها.. اذا تنظر الان الى الصورة في الاعلى، الثانية من اليمين، سترى وعاء وبداخله مادة داكنة، ويحتمل ان هذه المادة هي طين الوحل الذي يضعونه فيها.

كان قدماء المصريين يقدسون الوحل لسبب ما، وكان عندهم اله للوحل اسمه (نو)، وهو الظاهر في الصورة في الاسفل.


الرجل الازرق هو إله الوحل نو (Nu)، الرجل الواقف بين المربعين رجل ميت، ويشير بيديه للدلالة على الدخول من الحين الحمئة  الاولى والخروج من العين الحمئة الثانية.

 

 

مغرب الشمس: اللفظ القرآني في وصف المكان الذي فيه العين الحمئه هو مغرب الشمس -- مغرب الشمس يحتمل ان يكون اسم أو صفه، العبارة تقبل الاحتمالين، والظاهر انه صفه. وكذلك مطلع الشمس.

كان قدماء المصريين يطلقون مصطلح الغروب على دخول الاله الى العالم السفلي. يُحتمل انهم قصدوا الموت بهذه التسمية. وفي هذا الزمن تجد في بعض البلاد العربية، باللهجة العاميه، يقولون "غاب فلان"، بما يعني مات فلان. واذا سألت عن فلان أو علان، يأتيك الجواب "غرّب" بتشديد الراء، بما يعني انه مات. وربما قصدوا بهذا اللفظ شيئ آخر. ما يعنينا هو انهم كانوا يطلقون مصطلح الغروب على دخول الاله الى العالم السفلي.

إقتباس: "يقول أوزيريس (N)، تحية توقير لـ (تِمو) عندما يغرب في ارض الحياة ويسلط اشعته على توات. تحية لغروبك في ارض الحياة، يا أب الآلهه." (بيتر بيج رينوف، كتاب الموتى، ص 27)

"The Osiris N; he saith, adoring Tmu, when setting in the Land of Life and shedding his rays on the Tuat; Hail to thee setting in the Land of Life, O Father of the gods." (Peter Page, Book of the Dead, p.27)

لا حظ المصطلحات المستخدمة في النص: يغرب، غروبك. الكاتب الاصلي يخاطب "روح" الشمس (تمو، إله الشمس الميت)، وليس الشمس الحقيقية، ولكن يستخدم مصطلح الغروب.

ونص آخر: "تسبيحة حمدٍ لـ  «رع» عندما يصعد في الافق، وعندما يغرب في أرض الحياة" (بدج، كتاب الموتى، الجزء الثاني، ص 487)

"A hymn of praise to Ra when riseth upon the horizon, and when he setteth in the Land of Life" (Budge, Book of the Dead, Vol.2, Ch.XV, p.487).

هذه نصوص واضحة تدل على انهم كانوا يستخدمون مصطلح "الغروب" للتعبير عن دخول الاله الى العالم السفلي. والاله هو الشمس. والمكان الذي يغرب فيه يمكن وصفه بمغرب الشمس، "حتى اذا بلغ مغرب الشمس"

والشمس تغرب في أرض الحياة.

كانت توجد منطقة في مدينة هليوبولس اسمها أرض الحياة، وهو الاسم الظاهر في الصورة المقابلة من قاموس «واليس بدج». الرموز المعلمة بالاصفر تعني الحياة (عنخ). والرموز الاخرى تعني انها ارض حقيقية، يُعرفها بدج بقوله: مقاطعة من هليوبولس.

يُعرف الاله من الشعار الذي على راسه.. الذي على راسه قرص الشمس هو رع، والذي على راسه قارورة هو حورس

مطلع الشمس: بعكس الغروب، عندما يصفون خروج رع (الشمس) من تحت الارض، لا يقولون يشرق وإنما يخرج (يطلع). ولدينا في القرآن مصطلح «مطلع الشمس».

"يخرج [يطلع] الاله من مكانه الخفي" (واليس بدج، كتاب الموتى، الجزء الثاني، ص 504، فصل 133).
"The God cometh forth from his hidden place" (Budge, Book of the Dead, Vol.2, Ch.133 [CXXXIII], p.504)


"أتيتُ لرؤية رع عند غروبه، واتحدُ مع النسيم عند خروجه، يدايا نقيتان توقيرا له." (بيتر بيج رينوف، كتاب الموتى، ص 120)
"I am come to see Ra at his setting, and I unite with the breeze at his coming forth : my two hands are pure for adoring him." (Peter Page Renouf, Book of the Dead, p.120)

وعلى هذا نجد ان القوم كانوا يستخدمون مصطلح "الطلوع" للتعبير عن خروج الاله من تحت الارض، وليس الشروق، مطلع رع، مطلع الشمس، "حتى اذا بلغ مطلع الشمس".

الاقتباس التالي من حاشية كتاب الموتى لـ «واليس بدج»، وفيه رأي المؤلف عن المكان الذي تغرب فيه الشمس:

"أمنتا أو أمنتت، ، كانت في الاصل المكان الذي تغرب فيه الشمس، ولكن بعد ذلك تم اطلاق المصطلح على جميع المقابر التي بُنيت على المرتفعات والجبال على الضفة الغربية من النيل. يعتقد البعض ان أمنتا، في البداية، كانت محافظة صغيرة ليس لها أهمية جنائزية أو دينية."

"Amenta or Amentet, , was originally the place where the sun set, but subsequently the name was applied to all the cemeteries which were built in the stony plateaus and mountains on the western bank of the Nile. Some believe that Amenta was, at first, the name of a small district, without either funereal or mythological signification." (Budge, Book of the Dead, Vol.1, p.202)

يرى بدج ان أمنتا هي المكان الذي تغرب فيه الشمس (رع).. الديانة المصرية لا تزال ملتبسة على دارسيها، وكل باحث فيها له رأي مخالف لغيره. نصوص ورسوم التراث المصري تُظهر ان أمنتا هي المكان الذي تطلع منه الشمس، وهي توصف بالارض الخفية، والمكان الخفي، ومقر الموتى الاخير، وهي واحة سيوه في صحراء مصر الغربية.

 

المشهد في الصورة اعلاه في واحة سيوه، حيث يخرج الموتى من تحت الارض. نرى في يمين الصورة رجلا ميتا يقف أمام الاله أمون (amun-min)، وتقف حتحور (ابنة رع) خلف الميت، أكليلها قرص الشمس بين قرنين، وتعلوهما ريشتين. وفي المشهد الثاني، في يسار الصورة، رجل ميت يؤدي التحية لحتحور، تُمسك في احدى يديها الصولجان وفي الاخرى العنخ (رمز الحياة الابدية). وفي الصورة أيضا عين الشمس خلف أمون، عن يمينها شجرة وعن يسارها شجرة، وفي الوسط زهرة لوتس، والباب في اسفلها يؤدي الى العالم السفلي.

تغرب الشمس في ارض الحياة، وتطلع في المكان الخفي (أمنتا)، كلمة أمن تعني خفي، تا تعني أرض، (Amenta).


1. مشهد عين الطلوع، تظهر فيه اوراق اللوتس، بالاضافة الى الشمس، وجزء من الزورق.
2. زورق العالم السفلي، زورق إله الشمس الميت، برفقة الآلهه والموتى، على وشك الطلوع في مطلع الشمس (رع).

الديانة المصرية كانت غنوصية سرية، لا يعرف مفاهيمها الاساسية سوى الكهنة أرباب الديانة.. حتى وإن كانت واحة سيوه معروفة للعامة، للمصرين وغير المصريين، ولكنهم لا يعلمون ان فيها مطلع الشمس. نحن الان لا نتحدث عن مطلع الشمس على انه ساحة عامة، ولكن عن مكان صغير داخل معبد أمون، ولا يعرف ما هيته سوى الكهنة والمقربين فقط.

في مطلع الشمس تتم محاكمة الاموات الذين ماتوا في ذلك اليوم أمام ملك الموتى «أوزايريس». فمن يجتاز الحساب يعيش كائنا أبديا ممجدا في المنطقة التي يطلع فيها إله الشمس. ومن يسقط في الحساب يلتهم قلبه حيوان مفترس يسمى «ام مات» ويقضي عليه فورا. ولكن سعيد الحظ الذي يصل الى مكان الحساب، حتى وان التهم قلبه الحيوان المفترس. أصحاب الذنوب الكبيرة يبقون يعذبون تحت الارض لفترة من الزمن الى ان تصفر حساباتهم ثم يموتون.

المشهد أعلاه يصور حياة الكاتب «آني»، كاتب البردية المشهورة المسماة بردية آني. كتبة البرديات بشكل عام يرتبط اسمهم بالاله أوزايريس، فيسمى آني «أوزايريس-آني». في أعلى الرسم صورة آني عندما كان في أيام حياته يمجد ويقدس الالهة. وبعد موته يسوقه الاله أنوبس (Anubis) الى الميزان. على يمين الميزان توجد ريشة الحقيقة، ريشة ماعت (كلمة ماعت تعني الحقيقة)، وعلى الكفة الاخرى قلب الميت. فإذا رجحت ريشة الحقيقة على قلب الميت، اجتاز الحساب بنجاح. وإذا زاد قلب الميت على الريشه، فيعتبر من الساقطين. يقف على الجانب الايمن من الميزان الاله تحوت (Thot) برأس قرد له منقار، يمسك بيده قلم وورقه يسجل فيها قراءة الميزان. الحيوان الغريب برأس التمساح «أم-مات» يجلس تحت الميزان ينتظر نتيجة القراءة. ولكن آني يجتاز مرحلة الحساب بنجاح. فيأخذه حورَس ليقدمه الى ملك السلام أوزيريس سيد أمنتا. يجلس أوزايريس على كرسي العرش، حيث يقع هذا الكرسي على بركة ماء، تطلع منها زهرة لوتس، يقف عليها من قيل انهم ابناء حورس الاربعة. وبما ان اللوتس لا يعيش إلا في الماء الوحل، فهذه البركة التي يقع عليها كرسي أوزيريس هي عين حمئة أيضا، وفي الحقيقة هي رمز لعين الشمس، لأن أوزايريس هو السؤول عن عين الشمس، ومسؤول عن الميزان، وعن كل ما له علاقة بالعالم السفلي والحياة بعد الموت. يقف خلف الكرسي امرأتان، أخوات، الظاهرة بالكامل اسمها نفتيس، والاخرى اسمها أيزيس، يُعرفان من الشعار الذي فوق الراس. هاتين الاختين يرافقان رع في رحلته الليلية تحت الارض من مغرب الشمس الى مطلع الشمس (رع).

الحساب في اعتقادهم يحصل في نفس اليوم الذي يموتون فيه ولا ينتظرون الى يوم القيامه، وذلك انهم لا يعتقدون بيوم القيامه. جنتهم وجحيمهم على الارض فقط. ولكن يوجد في اعتقادهم ان رع قادر على ان يخسف الارض بمن عليها وينشئ لهم أرضا أخرى اذا اراد.

Script:DoSizeImage idSunHorus1 idSunHorus2

مكتوب تحت الصورة في الاعلى عبارة «رع على صورة أتم»، وهو يوازي آدم أبو البشر -- في المساء يصورونه على صورة أتم، وفي الصباح على صورة حورس ابن اوزايريس (الذي على راسه شمس هو رع، والذي على راسه قارورة هو حورس، القارورة شعار الملك في مصر). وعندما يكون في زورق العالم السفلي يصورونه برأس خروف على رأسه قرص الشمس، ويُسمى آف. ولكن الاله بالنسبة لهم ليس له صورة ولا شكل، وعندما يرسمونه في صور، فإنهم لا يعتقدون انه شكله الحقيقي، وكذلك بقية الآلهه. والصور ما هي إلا مجرد رموز لها دلالات أخرى، ولا علاقة لها البتة بأشكال الآلهة أو صورهم الحقيقية.

لا يوجد في الكتابة الهيروغليفيه حروف علة تضبط النطق، فمثلا كلمة أتم يكتبونها احيانا بثلاثة حروف (TMU) أو حرفين (TM)، وعلى هذه الحروف فإنه من الصعب تحديد اللفظ بدقه، فتلفظ الان أتم (Atum)، وقس على هذا جميع الكلمات والاسماء.

 

3) يأجوج ومأجوج (السيث والسارماش)

ألسيث والساراماش (يأجوج ومأجوج)


أهورا مزدا (النور والحكمه)


معبد مجوسي

الموقع الثالث الذي بلغه ذو القرنين كان بين السدين، وهو في ولاية هيركانيا في فارس. هذه الولاية لم يعد لها وجود مستقل الآن، وتقسمت الى عدة ولايات، بعضها في ايران وبعضها في دول مجاوره.

الذين أطلق عليهم القرآن اسم يأجوج ومأجوج، هم نفس القوم الذين كانوا يسميهم الاغريق السيث والسارماش (Scythians and Sarmatians). وكما ترى من العنوان انهم قبيلتين. اختلاف التسميات في الشعوب القديمة كانت من الامور العاديه.

هؤلاء الذين اسمهم السيث والسارماش (يأجوج ومأجوج) كانوا يقطنون أسيا الوسطى، ولكنهم ليسوا نفس الشعوب التي تسكن أسيا الوسطى الآن.

"حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا" (الكهف 93)

القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا كانوا على ما يبدو من اتباع إله النور والحكمة (أهورا مزدا)، إله المجوس، وكانت فارس في ذلك الوقت تدين بالمجوسية. لاحظ ان الآية تقول "لا يفقهون" وليس لا يعرفون أو لا يجيدون، وإلا فإنه دار بينهم وبين الاسكندر حديث حول بناء السد ودفع الضريبه. الفقه هو الفهم، وفي القرآن "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا" (النساء 78) هذه الاية تتحدث عن فئة من الناس يجادلون في امور غيبية فوق معرفتهم، وليس لانهم لا يعرفون النطق، لا يوجد بشر على وجه الارض من غير لغة يتخاطبون بها.

الظاهر ان الاسكندر تحدث معهم بالفلسفة والحكمة، ليختبر حقيقة العنوان، النور والحكمه، فوجدهم لا يكادون يفقهون قولا! ومن المحتمل جدا انه كان يوجد معبد في ذلك المكان، لأن المجوس يقدسون الجبال وكانوا يبنون معابدهم في الاماكن الجبلية.

هناك شيد لهم الاسكندر ردم من صدفين (جانبين)، بوابة، من نحاس وحديد، وأغلق ممرا كان يدخل منه قوم يأجوج ومأجوج من أسيا الوسطى لغزو الديار المجاوره.

طلب منه القوم ان يصنع لهم سد، فصنع لهم ردم. والردم أقل من السد. فمثلا اذا كان لديك ثغرة أو فتحة في جدار وقمت بسدها، فهذا يعني انك لحمتها لحام محكم وكأنه جزءا من الجدار المحيط بها. أمّا اذا ردمتها فإن الردم مجرد اغلاق الفتحه بشيئ يمكن ان يقع. لذا نجد أحد معاني الردم في القاموس انه ما يسقط من الجدار المتهدم. وذلك أن ما يسقط من الجدار المتهدم هو أضعف جزء فيه. وفي الاية: "فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء" أي واقعا على الارض.

ظلت البوابة مغلقة لمدة (400) سنة تقريبا. ثم بعد ذلك فتحها حاكم ولاية هيركانيا في العام (72) ميلادي، بعد ان عقد اتفاق مع قوم يأجوج ومأجوج أن لا يتعرضوا لبلده.

مؤرخ يهودي معتبر اسمه يوسيفوس كتب عن فتح البوابة، من مؤرخي القرن الاول الميلادي، أرخ لليهود والرومان، عاشر الاغريق وعرف ثقافتهم وكتب بلغتهم. اسمه يوسف، والاغريق يضيفون حرف السين في آخر الاسم، فأصبح الاسم يوسيفوس. وإذا ما استندنا الى تاريخه، فإننا نستند الى مرجع موثوق، على الاقل في الاحداث التي عاصرها بنفسه، وكتب عنها من وجهة نظر طرف محايد. فمثلا اذا كتب عن اليهود، فهو منهم، والاحتمال وارد ان ينحاز لصالحهم. ولكن في الموضوع الذي بين أيدينا فهو يعتبر محايد، وايضا عاصر القوم، والاهم من ذلك كله انه لا يوجد بديل سوى الخرافات والخزعبلات.

كتب المؤرخ عن آخر معارك السيث (قوم مأجوج)، وقال عن معركتهم الاخيرة انهم خرجوا من بوابات حديد صنعها الاسكندر المقدوني. الفترة الزمنية بين الاسكندر والمعركة التي ذكرها يوسيفوس، تقريبا (400) سنه. وطبعا لا يمكن لبوابة حديد ان تبقى كل هذه الفترة الزمنية من غير ان تصدأ وتتآكل. وفي القرآن: "آتوني زبر الحديد... أفرغ عليه قطرا" بما يعني ان تلك البوابة لم تكن من الحديد فقط ، وإنما حديد مطلي بالقطر (قيل انه النحاس). ولهذا السبب قاومت عوامل الصدأ. وبما انها قاومت الصدأ لمدة (400) سنه، فلما لا تقاومه الى الابد؟ بما يعني انه يمكن العثور عليها الان. وفي القرآن: "حتى اذا جاء وعد ربي جعله دكاء" أي مستويا بالاض. فهي إذن ملقاة على الارض وتغطيها الشوائب.

يقول المؤرخ: "الان هناك أمة تدعى آلانس (Alans)، وقد سبق وكتبنا عنهم في مكان آخر انهم السييث (Scythians)، ويسكنون حول بحيرة ميوتس. هذه الامة وضعت خطة للانقضاض على ميديا، ومناطق بعدها لكي ينهبوها، وبهذه النية تعاملوا مع ملك هيركانيا، لأنه كان هو المسؤول عن الممر الذي أغلقه الملك الاسكندر ببوابات حديد. ملك هيركانيا فسح لهم الطريق ليأتوا من خلاله، فدخلوا بأعداد كبيرة، وانقضوا على ميديا بطريقة غير متوقعة، ونهبوا البلد، وقد كانت مليئة بالسكان، فأخذوا أعدادا كبيرة من الماشية، ولم يتجرأ أحد على مقاومتهم. أمّا بالنسبة لـ (بيروس)، ملك البلد، فقد هرب من الذعر الى أماكن ليس من السهل لهم ان يتبعوه اليها، وترك لهم كل شيئ، ولم يأخذ منهم الا زوجته وجواريه، وكان ذلك بصعوبة بالغة، بعد ان وقعوا في الاسر، ففداهم بمائة تالينت [التالينت عملة اغريقية تزن الواحدة منها 26 كيلوجرام من الفضه]. هؤلاء الـ (آلانس) نهبوا البلد دون اي اعتراض، وبسهولة عظيمة، ثم توجهوا الى ارمينا، مخربين كل شيئ أمامهم. الان تايرايديتس ملك البلد، قابلهم وقاتلهم، وكاد ان يقع اسيرا في المعركة، لأن احد المقاتلين ألقى عليه شبك من مسافة بعيدة، وحاول ان يسحبه بسرعة نحوه، ولكن الملك قطع الشبك بسيفه وهرب، فنجا من الاسر. الآلانس أثارهم هذا الاستفزاز، فخربوا البلد، وأخذوا معهم أعدادا غفيرة من البشر، وكميات كبيرة من الغنائم، من كلا المملكتين [ارمينيا وميديا]، ثم انسحبوا الى بلدهم."
(يوسيفوس، حروب اليهود، الجزء السابع، باب 7.4)

"Now there was a nation of the Alans, which we have formerly mentioned some where as being Scythians and inhabiting at the lake Meotis. This nation about this time laid a design of falling upon Media, and the parts beyond it, in order to plunder them; with which intention they treated with the king of Hyrcania; for he was master of that passage which king Alexander shut up with iron gates. This king gave them leave to come through them; so they came in great multitudes, and fell upon the Medes unexpectedly, and plundered their country, which they found full of people, and replenished with abundance of cattle, while nobody durst make any resistance against them; for Paeorus, the king of the country, had fled away for fear into places where they could not easily come at him, and had yielded up every thing he had to them, and had only saved his wife and his concubines from them, and that with difficulty also, after they had been made captives, by giving them a hundred talents for their ransom. These Alans therefore plundered the country without opposition, and with great ease, and proceeded as far as Armenia, laying all waste before them. Now Tiridates was king of that country, who met them, and fought them, but had like to have been taken alive in the battle; for a certain man threw a net over him from a great distance, and had soon drawn him to him, unless he had immediately cut the cord with his sword, and ran away, and prevented it. So the Alans, being still more provoked by this sight, laid waste the country, and drove a great multitude of the men, and a great quantity of the other prey they had gotten out of both kingdoms, along with them, and then retreated back to their own country."
(Josephus, War of the Jews, Vol.7,Ch.7.4)

اشار المؤرخ الى ان الاسكندر المقدوني قد اغلق ممر ببوابات من حديد. وكان ملك هيركانيا مسؤولا عن هذا الممر. وقال في بداية الفقرة ان قوم الـ (آلانس) قد كتب عنهم في مكان آخر انهم السيث (Scythians)، وهذا ما كتب: "ماجوج أسس هؤلاء الذين أخذوا اسمه ويُطلق عليهم الماجوجيين، ولكن الاغريق يسمونهم السيث" (يوسيفوس، آثار اليهود، الجزء الاول، باب 6).

"Magog founded those that from him were named Magogites, but who are by the Greeks called Scythians." (Josephus, Antiquities of the Jews, Vol.1, Ch.6)

يوسيفوس كاتب ومحقق تاريخ. وصله خبر عن قوم اسمهم الآلانس (Alans)، وبتحقيقه في اللقب والخبر، قال انهم نفس القوم الذين ذكرهم في مكان آخر بإسم السيث. وفي المكان الاخر، قال ان الذين يسميهم الاغريق السيث، لهم أيضا لقب آخر بإسم الماجوجيين، نسبة الى مؤسسهم ماجوج الذي حملوا اسمه. ما نجد هنا هو ان القوم هم انفسهم، والامم الاخرى تطلق عليهم اسماء وألقاب مختلفة، فمنهم من يسميهم الآلانس، والاغريق يسمونهم السيث، واليهود يسمونهم قوم ماجوج.

من الملاحظ في خبر يوسيفوس ان هؤلاء القوم لا يغزون بقصد احتلال الارض وفرض السيطرة والقانون عليها، ولا لأي سبب سياسي أو استراتيجي، وإنما بقصد استباحة المدن من أجل السلب والنهب والتخريب فقط، حيث قال: "ثم توجهوا الى ارمينا مخربين كل شيئ أمامهم". وعندما حاول ملك أرمينيا مقاومتهم، اعتبروا تصرفه نوع من الاستفزاز، فقاموا بتخريب البلد! ثم بعد ذلك عادوا من حيث أتوا. "إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض" (الكهف 94).

بإتفاق جميع الذين أرخوا للاسكندر المقدوني، عسكر الاسكندر في هيركانيا لمدة اسبوعين. ثم عاد إليها مرة أخرى بعد عبور صحراء بلوشستان.

"After spending two weeks of summer in Hyrcania, Alexander moved eastward to the northern side of Areia."
History of the Macedonian People from Ancient times to the Present Part 7 - Alexander III - Lord of Asia by Risto Stefov
http://www.maknews.com/...

وبما اننا نتحدث عن بوابة، فهذه يمكن تركيبها في أيام معدودة. ويُفهم من الايات في القرآن انه طلب من أهل البلد ان يقوموا بجمع المواد الاولية من حديد ونحاس. وهو وضع تصميم البوابة وأشرف على بنائها.

كما يُفهم أيضا من القرآن انه هو بنفسه شارك في تصنيعها، ولم يُرسل من ينوب عنه، "آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا" -- يبدو ان الاسكندر مع عدد قليل من الحرس الشخصي ذهبوا الى ذلك الموقع وشيدوا البوابة بمساعدة أهل البلدة بعد ان جمعوا له ما طلب من مواد البناء.

لم يكتب عن البوابة احد من المؤرخين الاغريق، بما يدل على انها لم تكن حدثا عظيما يستحق التدوين ساعة حدوثه، وما قرأناه في تاريخ يوسيفوس كان عن المعركة، والبوابة كانت جزءا منها، ولو لم تحدث المعركة لما كتب عنها شيئ.

Script:DoSizeImage idScythiaMap0

خارطة تقريبية للمناطق التي استقر فيها السيث، بحسب ما جاء من كتابات عنهم في الثقافة الاغريقية.

هذه الدولة التي كانت تسمى هيركانيا (Hyrcania) تطل مباشرة على بحر قزوين (Caspian Sea)، وهو البحر المغلق على الخارطه في الشكل المقابل. كانت هيركانيا جزء من بارثيا، البقعة الحمراء على الخارطه، وهي فارس القديمه. وفي فترة خضوع هيركانيا لمملكة فارس، بنى الفرس فيها حائط مسافته 180 كيلومتر، يعتبر الثاني من حيث المسافة بعد سور الصين العظيم، لحمايتها من السيث، مع تركهم بعض المنافذ المسيطر عليها لتسهيل حركة المرور والتجارة.  أعاد الاغريق ترميم هذا الحائط في فترة لاحقة وأطلقوا عليه حائط الاسكندر تخليدا لذكراه. وبعد أن تلاشى قوم يأجوج ومأجوج من تلك المناطق، قام السكان المحليين وأخذوا حجارة الحائط للاستفادة منها في بناء منازل لهم.

استوطن السيث (Scythians) مملكة سايثيا (Scythia)، البقعة البرتقالية على الخارطه، وهي اسيا الوسطى، من القرن الثامن قبل الميلاد الى القرن الثاني الميلادي.

"The Scythians inhabited Scythia from the 8th century BC to the 2nd century AD."
http://en.wikipedia.org/wiki/Scythia

ونجد على الخارطة أعلاه أسما آخر، سارماشيا (Sarmatia)، وفي الكتابات الحديثة عادة ما يقترن قوم سايثيا بقوم سارماشيا (Scythians and Sarmatians).

الاقتباس التالي فيه لمحة "تقريبية" موجزة عن السيث والسارماش:

"السيث والسارماش -- هذين الشعبين من العصور القديمة، كلاهما كانوا يتكلمون لغات مستمدة من اللغة الفارسيه، وعاشوا في منطقة تقع على شمال البحر الاسود. لغات وثقافات السيث والسارماش كانت قريبة ولكنها مختلفة. وأيضا اسلوبهم في الحروب كانت مختلفه. لوحظ ان السيث كانوا يعتمدون على الرماة. ربما كانوا المخترعين أو على الاقل أحد المخترعين لأداة تثبيت قدم الخيال على الحصان (stirrup)، مما مكنهم من رمي السهام من على الحصان بدقة لا بأس بها والحصان يجري. تميز السيث في بداية الهجوم بإطلاق كمية هائلة من السهام على أعدائهم. فإذا تمكن أعدائهم من الصمود، يقوم السيث بالانسحاب، لاعادة تجميع جنودهم، ثم يعودون مرة أخرى بهجوم شامل بالسهام أيضا، مع تغيير الخطة. أغلب الاعداء لا يستطيعون الصمود أمام هجوم السيث. كان جيرانهم السارماش هم الوحيدين الذين ابتكروا استراتيجية ناجحة للتصدي لهجوم السيث. الجنود السارماش كانت اجسادهم محمية بدروع معدنية. كان الدرع عادة يصنع من قطع البرونز أو حديد مشبوك بالجلد. هذه الدروع مكنت السارماش من التصدي لهجوم السيث."

"The Scythians and Sarmatians -- These two peoples of ancient times both spoke languages in the Iranian language family and lived in the area north of the Black Sea. The languages and cultures of the Scythians and Sarmatians were related but distinct. In particular their styles of warfare were different. The Scythians were noted as mounted archers. They may have been the inventors or one of the inventors of the stirrup. The stirrup enabled mounted archers to fire (shoot) arrows reasonably accurately while riding. The Scythians attacked in a mass firing of arrows. If their adversaries were not overwhelmed by the hail of arrows then the Scythians turned and rode to a safe distance for regrouping to mount another mass attack. Most adversaries were overwhelmed by the Scythian battle tactics. It was only the Sarmatians who found a successful counter-strategy to withstand the Scythians. The Sarmatian warriors and their mounts were protected with armor. Usually the armor consisted of metal plates of bronze or iron sewn onto leather garments. This armor enabled the Sarmatians to withstand a Scythian attack. After a Scythian onslaught the Sarmatians would attack the Scythians with fifteen-foot-long lances."
http://www.sjsu.edu/...


صورة تخيلية لملكة السيث (قوم مأجوج) وهي تمسك برأس الملك كورش في وعاء الدم.
الملك كورش (Cyrus) مؤسس مملكة فارس دارت بينه وبين السيث عدة معارك خسرها كلها. قام الملك وبعث هدية الى ملكة السيث وطلب الزواج منها، بحسب ما كتب هيرودوت، وكان اسمها توميري (Tomyris). رفضت الملكة عرض الزواج والهدية، وطلبت منه الحرب. ذهب كورش بجيش عظيم الى ارض المعركة. ولكن السيث فاجأوهم بخطة غير متوقعه. نزلوا لهم فجأة من على الجبال وقاموا بتقطيع الجيش الفارسي الى وحدات صغيرة. فهرب منهم من استطاع الهرب، وسقط الباقون بين قتيل واسير. كورش وقع في الاسر، ولكنه تمكن من الافلات ثم قتل نفسه. فقطع السيث رأسه وأحضروه في وعاء مملوء بالدم الى ملكتهم -- هذا ملخص ما كتبه هيرودوت والله اعلم بحقيقته. ولكن المعلومة التي لا جدال فيها هي انه قتل في معركة مع السيث. والضريح الموجود حاليا في ايران لا توجد في داخله جثة كورش، وإنما هو ضريح رمزي فقط.

نجد فيما سبق من فقرات ان السبب الذي مكنهم من الانتصار في معاركهم هو استراتيجيتهم الحربية، وليس العدد، والقرآن أيضا لم يتحدث عن العدد، وما هو مكتوب في كتب التراث الاسلامي من انهم اعداد هائلة منقول من الاسرائيليات، فمثلا في الكتاب المنسوب الى يوحنا الرسول، المسمى كتاب الرؤيا، يقول الكاتب: "ثمّ متى تمّت الألف سنة يحل الشّيطان من سجنه، ويخرج ليضلّ الأمم الّذين في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج، ليجمعهم للحرب، الّذين عددهم مثل رمل البحر" (رؤيا 20: 7 - 8). هذه العبارة القائلة ان عددهم مثل رمل البحر، هذه تعطيك قكرة عن خرافة الاعداد الهائلة الموجودة في كتب التراث الاسلامي.. شخص يتحدث عن ارض لها اربع زوايا، مثل الطاولة، فهل ستصدق له نبؤة؟

جوج وماجوج أناس عمالقة في الرسومات المسيحية. وسيخرجون في آخر الزمان من زوايا الارض الاربع.

وبناءا على القوة المفرطة التي كان يتمتع بها القوم، قام النبي حزقيال واخترع لهم نبؤات، وانهم سيأتون لمهاجمة اسرائيل للسلب والنهب. حزقيال خصص بابين في كتابه عن جوج وماجوج (باب: 38 و 39).

ولابد من التأكيد هنا اننا نأخذ ما كتبه حزقيال من منظور تاريخي ولا علاقة لنا بنبؤاته. حزقيال عاش في زمن كانوا فيه موجودين، وهو يسمع عنهم وعن حروبهم، ويعرف انهم مختصون في السلب والنهب، فإذا قال بأنهم سيأتون للسلب والنهب، فإنه لم يأتي بمعلومة جديدة. فمثلا هو كتب عن نبوخذنصر، وكتب عنه نبؤات لم يتحقق منها شيئ، ولكن معلوماته عن نبوخذنصر كقائد تاريخي كانت صحيحة.. نأخذ من كتاب حزقيال الخبر المشترك المؤكد من طرف ثاني.

"يا ابن آدم، اجعل وجهك على «جوج» «أرض ماجوج»... وتنبّأ عليه" (حزقيال 38: 2) -- نجد هنا ان حزقيال ينسب الارض لماجوج، والحكومة لجوج (يأجوج). اجعل وجهك على «جوج» القائم على «أرض ماجوج» وتنبأ عليه (على جوج). ورأينا فيما سبق انه كانت حروب بين السيث والسارماش. المؤرخ يوسيفوس يهودي، ويعرف ما كتب حزقيال، ولكنه لم يتحدث عن جوج، وإنما عن ماجوج. وعلى هذا نستنتج ان «ارض ماجوج» ليست اسم الارض كأرض، وإنما نسبة للقوم الذين يسكنونها. و أيضا رأينا فيما سبق ان الوحيدين الذين كان بمقدورهم التصدي لهجوم السيث هم جيرانهم السارماش. وبما ان السيث هم قوم ماجوج، فالاستنتاج هو ان يأجوج هم السارماش.

يبدو انه في الزمن الذي عاش فيه حزقيال كان قوم يأجوج هم القوة الضاربة، فتنبأ حزقيال لهم. ولكن في زمن يوسيفوس انقلب الحال واصبج الماجوجيين هم اصحاب اليد العليا.

عملة معدنية كان يستخدمها السيث (الماجوجيين)

صورة تخيلية للسيث وهم يرمون السهام والحصان يجري
"وأَضربُ قوسك من يدك اليسرى وأُسقط سهامك من يدك اليمنى" (حزقيال 39: 3). أي أن الله سوف يضرب قوس جوج ويُسقط سهامهم عندما يأتون لغزو اسرائيل. وما كان حزقيال ليتحدث عن الاقواس والسهام إلا لأنها قوتهم الرئيسية، وهي نفس القوة التي يعطيها الاغريق للسيث، وهي ما تظهره عملتهم المعدنية في الصورة المرفقة. "وتأتي من موضعك من اقاصي الشمال انت وشعوب كثيرون معك كلهم راكبون خيلا" (38: 15). وهنا يحدد حزقيال ان المهاجمين من قوم جوج وحلفائهم سيأتون "كلهم" راكبون خيول. وأيضا رأينا في فقرة سابقة انهم دائما يحاربون على الخيول، واخترعوا آلة لتثبيت قدم الخيال مكنتهم من رمي السهام بدقة والحصان يجري، وليس لديهم كتائب مشاة، لذا يقول انهم سيأتون "كلهم" على خيول -- وكما ترى فإن الرجل كان ينظر لإمكانيات القوم من منظور ذلك الزمن، وكأن الزمن سيبقى على حاله كما عرفه حزقيال.. نبؤات حزقيال في الحقيقة لم تكن سوى اخبار من الماضي اتت بصيغة المستقبل.

وقد سبق ورأينا أن الماجوجيين لا يغزون بقصد احتلال الارض، وإنما بقصد السلب والنهب، لذا يقول حزقيال: "شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يسألونك: هل لسلب سلب أنت جاءٍ؟ هل لغنم غنيمة جمعت جماعتك، لحمل الفضّة والذهب، لأخذ الماشية والقنية [البضائع]، لنهب نهب عظيم؟" (حزقيال 38: 13). شبا هي مملكة سبأ التي كانت في اليمن. اليهود لاينطقون حرف السين، لذا كتبها شبا. مملكة سبأ انقرضت في القرن الاول الميلادي وخلفتها مملكة حمير. ددن وترشيش (ترسوس) كانتا أيضا من تلك الممالك المنقرضه. ثم يتحدث عن سلب ونهب وجمع غنائم وماشية، وقل للزمان ارجع يا زمان!

ما نراه في النص اعلاه ان حزقيال ذكر اسماء ممالك وبلدان كانت موجودة. وعليه لابد من القول ان جوج أيضا كان موجود. وكل هذه الشعوب كانوا يعرفونه: "شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يسألونك."

وبما أن حزقيال كان يخاطب قومه الذين هم في عصره، فلا بد أنهم يعرفون عمّن يتحدث، ومن هم جوج وماجوج. هذه النبؤة ذكرت صفاتهم، وموطنهم أسيا الوسطى، أقاصي شمال فلسطين على رأي حزقيال. وبمقارنة ما جاء في كتاب حزقيال من صفات القوم، واساليبهم القتالية، وتخصصهم في السلب والنهب، مع ما جاء عنهم في كتابات الاغريق، وأبحاث المعاصرين، وقول يوسيفوس ان السيث هم قوم ماجوج، وفي معركتهم الاخيرة نهبوا ميديا وارمينيا واخذوا معهم كميات كبيرة من الغنائم والماشيه، نستنتج ان قوم ياجوج هم السارماش، وقوم ماجوج هم السيث. انتهى امرهم وانصهروا في شعوب الارض، والى الابد.

لم يكن فتح البوابة سببا مباشرا في تلاشي يأجوج ومأجوج من موطنهم أسيا الوسطى، فقد عادوا اليها بعد المعركة التي كتب عنها يوسيفوس، ولكن بعد عودتهم بدأوا بالهجرة منها.. "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" (الانبياء 96) -- ينسلون من "الحدب" وليس من البوابه. ولا يكون النسل الا بشكل فردي أو جماعات صغيرة، كأسرة تخرج من قبيلة مثلا. ولا يمكن ان تقول عن جيش جرار انه نسل، أو جمع غفير لا يعد ولا يحصى بأنهم نسلوا،  "نَسَلَ الشيءُ نَسَلَ نُسُولاً: انفصل عن غيره وسَقَطَ" -- (المعجم الوسيط)، ولأنهم تناسلوا من موطنهم بأعداد صغيرة، لم يكتب احد من المؤرخين عنهم.. المؤرخ يكتب الاحداث العظيمة، ولكن الاحداث الصغيرة، كأسرة تهاجر من موطنها الى موطن آخر، لن تجد لها طريقا الى كتب التاريخ.

"وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [ماج الموج أي دخل واختلط في بعض] ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا" (الكهف 99). وسوف يبقون منصهرين في شعوب العالم الى ان ينفخ في الصور وتقوم الساعة.

الردم الذي صنعه ذو القرنين لم يكن هو العامل الوحيد الذي منعهم من غزو الدول المجاورة، فقد سبقه سور الصين العظيم، وبوابات الهند والسند، وحائط گورگان في فارس في ولاية هيركانيا، وهي نفس الولاية التي أغلق فيها الاسكندر الممر.

لم يكن الاسكندر يعلم ان ذلك الممر الذي اغلقه كان يمثل عنق الزجاجة بالنسبة للسيث والسارماش. لذا نجده يقول: "أجعل بينكم وبينهم ردما" -- كان يظن ان هذا الحاجز سوف يحمي هؤلاء الناس فقط، "بينكم وبينهم". ولكن يبدو انه كان المنفذ الاخير المتبقي لهم.

حتى ان القوم انفسهم لم يكونوا يعلمون بالنتيجة التي سيؤدي اليها اغلاق الممر، "فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا" -- "بيننا وبينهم"، هذا هو الهدف المنشود.

الان مسألة الوعد: "وكان وعد ربي حقا" -- هل الله وعده بشيئ؟

ولما لا -- يحتمل انه رأى رؤيا في المنام انه يشيد ذلك الردم، وأن ما يراه في المنام تعاليم من الله، ثم رأى في نفس الرؤيا سقوط الردم. بعد ذلك ذهب الى المكان، فوجده نفس المكان الذي رآه في المنام. فإذا تحقق جزء من الرؤيا، فلابد ان يتحقق الجزء الثاني. وهذا يعتبر وعد في نظر ذو القرنين، أو انه سأل مفسر احلام فأخبره انه وعد من الله.

هناك من يفسر الوعد الذي تحدث عنه ذو القرنين بأنه يوم القيامه!

أولا الاية تنقل ما قاله ذو القرنين. والحديث فيها عائد لذو القرنين. ذو القرنين هو من قال هذا وليس الله.

ثانيا اذا نظرنا الى تكملة الحدث في سورة الانبياء، نجد ان هذا الوعد الذي تحدث عنه ذو القرنين لا علاقة له بيوم القيامه.

سورة الانبياء:
(96) "حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم مّن كلّ حدب ينسلون"
(97) "واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الّذين كفروا..."

تبدأ الاية (97) بحرف الواو، وهو حرف عطف. وعلى هذا فإن الاية (97) تكملة للاية (96).

بما يعني: "حتى اذا فتحت... اقترب"

فإذا كان الوعد الذي تحدث عنه ذو القرنين هو وعد يوم القيامه، فلابد ان يكون "وقع" وليس "اقترب".

ومسألة انه اقترب، لدينا أيضا "اقترب للناس حسابهم" و "اقتربت الساعة وانشق القمر" -- ومن الوقت الذي انشق فيه القمر في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والى اليوم لم تقم الساعه. وهي مسألة نسبية على أي حال. فإذا كان عمر الارض اربعة آلاف مليون سنه، بحسب النظريات الجيولوجيه، ولم يبقى منها سوى مليون أو مليونين سنه، فقد اقترب نسبيا.

نقطة مهمة: تقول الاية "فُتحتْ" مؤنث، وليس "فُتحَ". بما يعني ان هذا الردم الذي شيده ذو القرنين يقبل صيغة المؤنث. وسيجادل البعض ويقولون انه جماد يقبل الاثنين. ولكن لدينا آية أخرى تقول انه مكون من صدفين، "حتى اذا ساوى بين الصدفين" ، فهل هذا يعني شيئ غير بوابه؟ وطبعا لمّا ربك يخاطبك بالالغاز والتلميحات، يريدك ان تتحرك وتبحث. وبما انه اعطاك الاسباب (الوسائل)، فلابد من استخدامها، مثل ذو القرنين.

وردت احاديث منسوبة الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن يأجوج ومأجوج وانهم لايزالون يحتجزهم سد ذو القرنين، وسوف يخرجون يوم القيامة دفعة واحدة يأكلون الاخضر واليابس، ويشربون الانهار حتى تجف!

"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها: حين يُنزّل القرآن تُبدَ لكم، عفا الله عنها" (المائده 101) -- بما يعني لا تسألوا عن أشياء لم يرد ذكرها في القرآن، عفا الله عنها، وربك اعطاك حق الاجتهاد فيها، ولكن إذا سألتم، فانتظروا الى ان ينزل القرآن. لا يوجد مصدر آخر يُكمل القرآن، لا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا غيره. ولو كان المصدر موجود، لأرشدك الله إليه بدلا من أن يأمرك بالانتظار. وبما ان القرآن اكتمل وتوقف بموت رسول الله، فأي شيئ لم يرد ذكره في القرآن فقد عفا الله عنه ومتروك للاجتهاد، ناهيك انه لا يوجد حديث واحد عن يأجوج ومأجوج إلا وبه علة، إمّا سندا أو متنا.

وإذا صرفنا النظر عن ما ورد في الروايات التي تم تدوينها بعد موت رسول الله بعشرات السنين، نجد في القرآن انها فتحت قبل نزول القرآن.

عندما نقرأ الآية من سورة الانبياء نجدها تبدأ بعبارة "حتى إذا". هذا التعبير ورد في سورة الكهف ثمان مرات، وكلها تعبر عن مواقف بعد حدوثها:

18.71- فانطلقا ((حتى إذا)) ركبا في السفينة خرقها...

18.74- فانطلقا ((حتى إذا)) لقيا غلاما فقتله...

18.77- فانطلقا ((حتى إذا)) أتيا اهل قرية استطعما اهلها...

18.86- ((حتى إذا)) بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب...

18.90- ((حتى إذا)) بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع...

18.93- ((حتى إذا)) بلغ بين السدين وجد من دونهما...

18.96- اتوني زبر الحديد ((حتى إذا)) ساوى بين الصدفين قال انفخوا ((حتى إذا)) جعله نارا قال اتوني أفرغ عليه قطرا

والاية من سورة الانبياء جاءت بنفس الصيغة، "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" -- وهذه هي الاية الوحيدة في سورة الانبياء التي تبدأ بالعبارة "حتى إذا". وهذا يستوجب ربطها بالايات من سورة الكهف.

فإذا كانت عبارة "حتى إذا" في جميع الايات من سورة الكهف عبّرت عن احداث انتهت قبل نزول القرآن، والاية من سورة الانبياء جاءت بنفس الصيغة، "حتى اذا فتحت..." فمن الطبيعي أن نأخذ بالقياس، والقول ان البوابة فتحت "قبل" نزول هذه الاية من القرآن. ولم تأتي في نفس السورة، لأن الآيات في سورة الكهف كانت تصف أحداث حصلت في حياة ذو القرنين، وفتحها حصل بعد موته بزمن. بعبارة آخرى، جميع الأحداث التي وردت في قصة ذو القرنين انتهت "قبل" نزول القرآن، سواءا تلك التي ذكرتها سورة الكهف أو الآية من سورة الانبياء.

ربما يقول قائل، تشابه النص علينا! صحيح ان العبارة لم ترد ابدا في سورة الكهف لتحكي حدث مستقبلي، ولكن معناها الظاهر يحتمل الماضي والحاضر والمستقبل.

ان كان فعلا تشابه النص، فلابد من البحث وتقصي الحقيقه. اذهبوا وفتشوا عن قوم يحتجزهم سد، واقطعوا الشك باليقين. يأجوج ومأجوج أناس مثلنا، وليسو جن وعفاريت أو مخلوقات فضائية. فإذا كانوا فعلا يحتجزهم سد فسوف تجدونهم!

وبهذا الفصل نصل الى نهاية الموضوع.

 


 امبراطورية الاسكندر -- ولاية هيركانيا معلمة بالاحمر، حيث بنى فيها الاسكندر بوابة حديد مطلية بالقطر

 

End of Body

Script:DoPrintDlg