حقائق خفية في القرآن والتاريخ

Script:DoSizeHdr

Start of Body

اوهام الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

تأليف: عيسى عبدالرحمن السركال
الشارقة، الامارات العربية المتحدة
تاريخ النشر: 20 أغسطس 2016    (آخر تحديث: 23 أغسطس 2016)

 

Script:PrintURL

الناسخ والمنسوخ... نظرية تفترض وجود آيات في القرآن تنسخ آيات أخرى، ومن غير تحديد الايات الناسخة والمنسوخة، والمسألة متروكة للاجتهاد، لذا فإنك لن تجد آية قيل إنها منسوخة، إلا وجدت من يعترض على نسخها.

لم يشذ عن قاعدة الناسخ والمنسوخ من العلماء القدماء سوى القليل، أشهرهم الامام المعتزلي أبي مسلم الأصفهاني. وفي العصر الحديث ظهر الكثير من الذين ينكرون النسخ، أحدهم الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتاب (نظرات في القرآن، باب: حول النسخ، ص 194).

إذا نظرنا الان الى القرآن نجد فيه ما ينفي وقوع النسخ والتبديل:

1) "واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته" (الكهف 27)
2) "وتمّت كلمة ربّك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السّميع العليم" (الانعام 115)
3) "ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد" (ق 29)

وبالاضافة الى الايات الدالة على أن الله لا يبدل أقواله، فإننا نجد في القرآن أن الله فتح باب الاجتهاد في المسائل التي لم يرد فيها نص، وكان هذا قبل الهجرة وبعدها. وهذا هو المنطق السليم، بدلا من أن تصدر حكما ثم تلغيه. فمثلا آيات القرآن في الفترة المكية لم يرد فيها شيئ يتحدث عن الجهاد في سبيل الله، لم يأمر الله المسلمين بالجهاد ولم يُحرمه، وعندما اصبحت الظروف ملائمة للجهاد، نزلت الايات التي تحث المسلمين عليه. وفي المدينة أمر الله النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يجعل قبلته المسجد الحرام، وكانت قبل ذلك بإتجاه بيت المقدس، وكانت اجتهاد من رسول الله ولا توجد آية واحدة  في القرآن تأمره بالتوجه إليه. ومن المحتمل انه اقتبس فكرة بيت المقدس من أهل الكتاب، وبما أن رسالته من نفس المصدر، فلم يجد في بيت المقدس حرجا في ان يجعله قبلته. وعلى هذا نجد أن الله فتح باب الاجتهاد لرسوله (صلى الله عليه وسلم) في المسائل التي لم يرد فيها نص، وفي قضايا تعتبر الان من صميم الدين الاسلامي، فلماذا إذن يصدر أحكاما في قضايا أقل درجة، ثم بعد ذلك يغير رأيه فيها؟

من ناحية أخرى يوجد إلتباس شديد في الايات التي قيل انها منسوخة، حتى انك لن تجد آية يصنفها أحدهم في خانة المنسوخات، إلا وجدت غيره لا يقر بنسخها، وهذا يعطينا فكرة ان القضية وما فيها عائدة الى استنتاجات شخصية. وهي أيضا قضية نفسية، فعندما تزرع في عقول الناس ان في القرآن ناسخ ومنسوخ، سيبدأ طلبة العلم في البحث عن المنسوخات، ثم كيف يعرفون ان الاية منسوخة؟ يأخذون الوضع القائم على انه الاساس، وما يبدو انه يعارضه يعتبرونه ملغي. فمثلا حد الزنا في القرآن 100 جلدة، وتوجد آية تقول "واللّاتي يأتين الفاحشة... فأمسكوهنّ في البيوت..." ففسروا الفاحشة هنا بالزنا، واعتبروا الاية منسوخة. الشيخ الشعراوي، ومع انه من القائلين بنظرية الناسخ والمنسوخ، لا يتعبرها منسوخة، وفسر الفاحشة في هذه الاية بمقابلة المرأة للمرأة (السحاق). الان الذين ألغوا العمل بالاية لا يوجد لديهم حكم لمثل هذه الحالة، فجعلوه حد تعزيري يقرره القاضي لما يراه مناسبا.

الموضوع هنا ليس حول الناسخ والمنسوخ بكل تفاصيله ودقائقه، فقد كتب عنه الكثير، وتوجد عنه مقاطع فيديو على يوتيوب، ولكن نقدم تفسيرا للآيات التي يستدل بها أصحاب النسخ، وسنرى انها لا تتفق مع تصوراتهم.

"ما ننسخ من آية أو ننسها، نأتي بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير" (البقرة 106).

القائلون بالنسخ وجدوا في الاية اعلاه دليلا حاسما على الناسخ والمنسوخ. ولكن إذا دققنا في معانيها ومفرداتها، وأخذناها على ظاهرها، سنجدها غير ذلك!

"ما" حرف نفي، والاية تنفي النسخ والنسيان، على وزن "ما يبدل القول لدي".

"ما ننسخ [لا ننسخ] من آية أو ننسها، [ولكن، وإنما] نأتي بخير منها أو مثلها" -- والآيات المتشابهات في القرآن كثيرة. هذه الايات المتشابهات في المعنى، هي التي خير منها أو مثلها في البلاغة والبيان، "ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير"، وبما أن القرآن فيه اعجاز لغوي، فهذا يعتبر نوع من الاعجاز، أي ان الله قادر على ان يأتي بنفس المعنى بصيغ مختلفة، وكل صيغة تعتبر تحدي واعجاز.

فلو مثلا سمعت من شخص يقول "ما ضربت حسن، أنقذت سعيد" فهل تفهم من قوله انه ضرب حسن؟ أو انه ينفي ضرب حسن، وبالمقابل يؤكد انه انقذ سعيد؟ حتى تكون متأكدا انه ضرب حسن، ستكون العبارة أوضح لو قال "ما ضربت حسن (إلا) لأنقذ سعيد" -- ما لدينا في الاية القرآنية على وزن التعبير الاول، "ما ننسخ من آية أو ننسها [ولكن] نأتي بخير منها أو مثلها [في البلاغة والبيان]".

القائلون بالنسخ افترضوا ان الاية "ما ننسخ من آية أو ننسها" جملة شرطية، وجواب الشرط "نأتي بخير منها أو مثلها"، ولا تكتمل الجملة إلا بالجزئين معاً. من الامثلة في القرآن على الجمل الشرطية:  "وما تفعلوا من خير يعلمه الله"، وهنا عبارة "وما تفعلوا من خير" لا تعطي معنى، ولابد من وجود الشطر الثاني حتى تكتمل الجملة * "وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَ إليكم" * "وما بكم من نعمةٍ فمن الله" * "وما تفعلوا من خيرٍ فإن اللهَ به عليم" -- هذه جمل شرطية واضحة، ومحال الفصل بين الشطر الاول والثاني، أمّا الاية "ما ننسخ من آية أو ننسها" فهي جملة مفيدة بحد ذاتها، تنفي النسخ والنسيان نفيا قاطعا، ولا تحتاج الى وصلها بأخرى حتى تعطي معنى.

"سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله" (الاعلى 6 - 7) --- هذه الاية تنفي ان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يمكن ان ينسى شيئا من القرآن. أمّا قوله تعالى "إلا ما شاء الله" لا يعني بالضرورة انه شاء. وفي آية أخرى عن المؤمنين في الجنة: "خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك"، وهذا بكل تأكيد لا يعني انه شاء واخرجهم.

"وإذا بدّلنا آية مكان آية واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مُفتر" (النحل 101) --- قالوا ان التبديل هنا يعني النسخ (الازالة). اذا اردت ان تحمل الاية على هذا المعنى فلك ذلك، ولكن أيضا يمكن ان تعني تغيير مكان (موقع) الاية وليس تغيير الاية بحد ذاتها. والقرآن لم ينزل بالتسلسل كما هو موجود في المصحف الان، وإنما بالتقسيط الممل، ولمدة 13 سنة، وهذا التقسيط استوجب في بعض الاحيان تغيير آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، في الوقت والظرف الذي يراه مناسبا، ولكن مع الابقاء على الآيتين بنفس اللفظ بالضبط. وفي آية أخرى: "واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته" (الكهف 27)، وأيضا: "وتمّت كلمة ربّك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السّميع العليم" (الانعام 115)، وهذا يؤيد ان موقع الاية هو الذي تبدل وليس الكلمات الواردة في نص الاية، والقرآن يفسر بعضه، فإذا إلتبس المعنى في آية، نبحث عن تفسيره في آية أخرى.

"يمحو اللّه ما يشاء ويُثْبتْ وعنده أمّ الكتاب" (الرعد 39) -- من تفسير ابن كثير: "اختلف المفسرون في ذلك: فقال الثوري، عن ابن عباس: يدبر أمر السنة، فيمحو اللّه ما يشاء، إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت" -- آية عامة جدا يندرج تحتها أي شيئ قابل للمحو (الازالة)، مثلا: "وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرة" (الاسراء 12).

وسيأتي من يجادل في هذا التفسير، ولكن توجد قاعدة شرعية ومنطقية تقول: إذا وُجد الاحتمال، بطل الاستدلال. القضية وما فيها انه لا توجد آية واحدة صريحة محكمة يمكن الاستناد اليها في تثبيت نظرية النسخ. "هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات ((محكمات)) هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات [تحمل أكثر من معنى] فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه"، كما ان هذا التفسير هو ما تحمله ظاهر الايات، وبالمفردات المتداولة البسيطة، ومن غير تكلف أو إجهاد. هم الذين تكلفوا واجهدوا انفسهم عندما حملوا الايات على غير معناها الظاهر.

الذين استدلوا بالاية "ما ننسخ من آية أو ننسها، نأتي بخير منها او مثلها" احتاروا في كلمة "مثلها" وذلك انهم يقولون ان النسخ يقع في الاحكام فقط، ولا يوجد نسخ في القصص والعقائد والايات الكونية. فكيف تستبدل حكم بمثله؟ تخيل مثلا ان القاضي يصدر حكما على المتهم بالسجن اربع سنوات، ثم بعد ذلك، ومن غير محكمة استئناف، يعود القاضي ليقول للجاني انه قرر تغيير الحكم من اربع سنوات الى "اربع" سنوات! ولا يوجد في القرآن شيئ من هذا القبيل على الاطلاق.

الاصل في الاشياء العدم، ثم يأتى الوجود. وهذا ينطبق على كل شيئ. لم يكن في الاسلام صوم في رمضان، ثم جاء الامر بالصيام في وقت متأخر، فتحول العدم الى الوجود. الشخص الفلاني صرح بأقوال، فتبقى الاقوال مسندة إليه، إلى أن يثبت الدليل على انه تراجع عنها، والمسأله ليس فيها يمكن وربما، إمّا أن يثبت الدليل القاطع أو أن يبقى القول ملزم لصاحبه.

لا يستفيد من الناسخ والمنسوخ إلا أهل الاهواء والفتن والبدع. إذا لم تعجبك آية، فتش على آية من الايات المتشابهات، ثم قل انها تنسخ الاولى، والمسألة ليس فيها ضوابط، "فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه" -- وإذا لم تجد آية، فتش في الاحاديث وستجد فيها ما يحقق رغبتك. والحديث ينسخ القرآن على حسب قولهم، لأنهم يقولون ان الحديث هو التطبيق العملي للقرآن، حتى وان كان مناقضا له. وبالناسخ والمنسوخ، والاحاديث، والفبركات، ضاعت تعاليم القرآن وضاع الدين الاسلامي.

إذا جادلت اليهودي، فستجادله بالتوراة. وإذا جادلت المسيحي، فستجادله بالانجيل. ولكن اذا اردت مجادلة المسلمين، فلن تجد لديهم قاعدة يستندون إليها، قل لهم قال الله، سيقولون الاية منسوخة، وإذا قلت الحديث ضعيف، قالوا المحدث الفلاني قال عنه صحيح، وإذا قلت الحديث صحيح، قالوا انه ليس في البخاري ولا مسلم، وكل فرقة تأخذ من هذا التراث ما تشاء لتجعل منه دينا يخصها، "الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" (الروم 32).

.
.
.

تفسير "ما ننسخ من آية أو ننسها"
http://www.alro7.net/ayaq.php?aya=106&sourid=2

تفسير "واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم"
http://www.alro7.net/ayaq.php?aya=15&sourid=4

تفسير "يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب"
http://www.alro7.net/ayaq.php?aya=39&sourid=13

تفسير أبي مسلم الأصفهاني pdf
http://www.4shared.com/get/OxrAtfnu/___.html

نظرات في القران للشيخ محمد الغزالي pdf
http://www.alkutubcafe.com/book/Kn5qW4.html

 

End of Body

Script:DoPrintDlg